شكا إِليَّ جملي طولَ السُّرى... يا جملي ليس إليَّ المشتكى
صبرٌ جُمَيْلٌ فكِلانا مُبْتَلى
وصبراً جميلاً منصوب على مثل (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا).
* * *
وقوله: (وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (١٩)
الوارد الذي يرد الماء ليسقي للقوم.
(فَأَدْلَى دَلْوَهُ).
يقال: أَدْلَيْتَ الدلْوَ إذَا أرْسلتَها لتملأها، وَدَلَوْتَها إذَا أخرجْتَها.
(قَالَ يَا بُشْرَايَ) (١).
بألف وياء مفتوحة، وقرئت يا بُشْرَيَّ، وقد فسرناها في قوله: (فَمَنْ تَبعَ
هُدَايَ)، وتفسيرها أن ياء الإضافة تغيِّر ما قبلها ولا يُبَينُ معها
الإعراب، فإذا كان قبلها ألف فالاختيار أَلَّا تغير الألف، وبعض العرب يبدل الألف معها ياء، فيكون بدَلَها بمنزلة تغيير الحروف قبلها.
وقرئت: (يا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ)، بغير ياء.
ومعنى النداء في هذه الأشياء التي لا تجيب ولا تعقل إنما هو على تنبيه
المخاطبين، وتوكيد القصةِ.
إذا قلتَ يا عجَباهُ فكأنك قلت: اعجبوا ويا أيها
العجبُ هذا مِنْ حِينكَ.
وكذلك إِذَا قال يا بُشراي فكأنَّه قال: أبشروا، وكأنه
قال يا أيتها البشرى هذا من إِبَّانِكِ وأوَانِكِ.
وقوله - عزَّ وجلَّ -: (وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً).
لَمَّا وجدُوهُ أحبوا أَنْ لَا يُعْلَم بأنه مَوجُودٌ، وأَن يُوهِمُوا أنه بضاعة دفعها

(١) قال السَّمين:
قوله: ﴿يابشراى﴾ قرأ الكوفيون بحذف ياء الإِضافة، وأمال ألفَ فعلى الأخوان، وأمالها ورش بين بين على أصله، وعن أبي عمرو الوجهان، ولكن الأشهرَ عنه عدمُ الإِمالة، وليس ذلك مِنْ أصله على ما قُرِّر في علم القراءات. وقرأ الباقون «يا بشراي» مضافة لياء المتكلم، ونداء البشرى على حدِّ قولِه: ﴿ياحسرتا على﴾ [الزمر: ٥٦] ﴿ياحسرة عَلَى العباد﴾ [يس: ٣٠] كأنه يقول: يا بشرى هذا وقتُ أوانِ أن تُنادَيْ ويُصاحَ بكِ. ومَنْ زعم أنَّ «بشرى» اسم رجل كالسدِّي فقد أَبْعَدَ.
وقرأ ورش عن نافع «يا بُشْراْيْ» بسكون الياء، وهو جمعٌ بين ساكنين في الوصل، وهذا كما تقدم في ﴿وَمَحْيَايَ﴾ [الأنعام: ١٦٢]، فعليك بالالتفات إليه. وقال الزمخشري: «وليس بالوجه لما فيه من التقاء الساكنين على غير حَدِّه إلا أن يَقْصِدَ الوقف».
وقرأ الجحدري وابن أبي إسحاق والحسن: «يا بُشْرَيَّ» بقلبِ الألفِ ياءً وإدغامها في ياء الإِضافة وهي لغة هُذَلِيَّة تقدَّم الكلامُ عليها في البقرة عند قوله: ﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَيَّ﴾ [البقرة: ٣٨]. وقال الزمخشري: «وفي قراءة الحسن يا بُشْرَيَّ بالياء مكان الألف جُعِلَتْ الياءُ بمنزلة الكسرة قبل ياء الإِضافة وهي لغة للعرب مشهورة، سمعت أهلَ السروات يقولون في دعائهم: يا سيدي ومَوْلَيَّ».
اهـ (الدر المصون).


الصفحة التالية
Icon