قوله: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (٣٩).
* * *
وقوله: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (١٤)
(فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا)
فالاستثناء مُسْتَعْمَل في كلام العَربِ، وتأويلُه عند النحْويينَ
توكيدُ العَدَدِ وتحصيلُه وكمالُه، لأنك قد تذكر الجملةَ ويكون الحاصلُ
أَكْثَرَهَا، فإذا أردت التوْكِيدَ في تمامها قُلْتَ كلها، وإذا أردت التوكيدَ
في نقصانِها أدْخَلت فيها الاسْتثناء، تقول: جاءني إخوتك يعني أَن
جَمِيعَهُم جاءك.
وجائز أَنْ تَعْنِيَ أَن أكثرهم جاءَك، فَإذَا قُلْتَ: جاءني
إخْوَتُكَ كُلُّهُمْ أَكَّدْتَ معنى الجَمَاعةِ، وأَعْلَمْتَ أنه لم يتَخَلَّفْ مِنْهُمْ
أَحَد.
وتقول أَيْضاً: جاءني إخْوَتُكَ إلا زيداً فتؤكد أن الجَمَاعَةَ تنقُصُ
زيداً.
وكذلك رُءُوس الأعْدَادِ مُشَبَّهَة بالجماعات، تقول: عندي
عَشَرة، فتكون ناقِصَةً، وجائز أن تكون تامَّةً، فإذا قُلْتَ: عَشَرَة إلا
نِصْفاً أو عشرة كَامِلة حَقَّقْتَ، وكذلك إذَا قُلْتَ: أَلْف إلَّا خَمْسِينَ فهو
كقولك عشرة إلا نِصْفاً لأنك إنَّما اسْتَعْمَلْتَ الاستثناء فيما كان أَمْلَكَ
بالعَشَرَةِ من التِسْعَةِ، لأن النِصْفَ قَدْ دَخَل في بابِ العَشرةِ، ولو قُلْتَ
عشرة إلا واحداً أو إلا اثنَيْن كان جائزاً وفيه قُبْح، لأن تِسْعةً وَثَمانيةً
يؤدي عَنْ ذَلِكَ العَدَدِ، ولكنه جائز من جهة التوْكِيدِ أَن هَذِه التَسْعَةَ لا
تَزيد ولا تنقُصُ، لأنَّ قَوْلَكَ عَشَرة إلاً واحداً قد أخبرت أفيه، بحقيقة
العَدد واسْتثنيت ما يكون نقصاناً من رأس العَددِ.
والاختيار في الاستثناء في الأعداد التي هي عُقُودُ الكسُور
والصحَاحِ جَائِز أن يستثنى.
فأما استثناء نصف الشيء فقبيح