ولا تنصِبْه بِفِعْل مُضْمَرٍ كما أنك إذا قلْتَ: بِزَيْد فَامْرُر، فالباء متعلقة
بامْرُرْ، والمعنى: إنَّ أرضي واسِعَة فَاعْبُدونِ، فالفاء إذا قُلْتَ زيداً
فاضرب لا يصلح إلا أَنْ تكون جواباً للشرطِ، كان قائلًا قال: أنا لا
أَضربُ عَمْراً، ولكني أضرب زيداً، فقُلتَ أنت مُجيباً له: فاضرب
زيداً، ثم قلت زيداً فاضرب، فجعلت تقديم الاسم بدلاً من الشرط.
كأنك قلت إن كان الأمر على ما تصف فاضرب زيداً، وهذا مذهب
جميع النحويين البصريين.
* * *
وقوله: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠)
كل حيوان على الأرض مما يعقل، وما لا يَعْقِل فهو دابة، وإنما
هو من دَبَّتْ علَى الأرض فهي دَابَّة، والمعنى نفسٍ دابَّة.
ومعنى (وَكَأَيِّنْ): وكم من دَابَّةٍ.
وقوله: (لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا).
أي لا تدَّخر رزقها، إنما تصبح فَيَرْزُقُها اللَّه.
وعلى هذا أكثر الحيوان والدَّبِيبِ وليس في الحيوان الذي هو دبيب ما يدخِرُ فيما تبيَّن غيرُ النَّمْلِ، فإن ادِّخَارَه بيِّنٌ.
* * *
وقوله: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤)
(وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).
معناه هي دار الحياة الدائمة.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا).
وقرئت (لَنُثَوِيَنَّهُمْ) - بالثاء - يقال ثوى الرجل إذا أقام بالمكان
وَأَثْوَيْتُه أنزلته منزلاً يقيم فيه (١).
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٦٦)
قوله: ﴿والذين آمَنُواْ﴾: يجوز فيه الوجهان المشهوران: الابتداءُ والاشتغال. والأخَوان قرآ بثاءٍ مثلثةٍ ساكنةٍ بعد النونِ، وياءٍ مفتوحةٍ بعد الواوِ من الثَّواء وهو الإِقامةُ. والباقونَ بباءٍ مُوَحَّدة مفتوحةٍ بعد النونِ وهمزةٍ مفتوحةٍ بعد الواوِ من المَباءة وهي الإِنزالُ. و «غُرفاً» على القراءةِ الأولى: إمَّا مفعولٌ به على تضمين «أَثْوَى» أنزل، فيتعدَّى لاثنين، لأنَّ ثوى قاصرٌ، وأكسبته الهمزةُ التعدِّيَ لواحدٍ، وإمَّا على تشبيهِ الظرف المختصِّ بالمبهمِ كقولِه: ﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ﴾ [الأعراف: ١٦] وإمَّا على إسقاطِ الخافضِ اتِّساعاً أي: في غُرَف.
وأمَّا في القراءةِ الثانيةِ فمفعولٌ ثانٍ، لأنَّ «بَوَّأ» يتعدَّى لاثنين، قال تعالى: ﴿تُبَوِّىءُ المؤمنين مَقَاعِدَ﴾ [آل عمران: ١٢١] ويتعدَّى باللامِ قال تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ﴾ [الحج: ٢٦]. وقد قُرِئ «لَنُثَوِّيَنَّهم» بالتشديد مع الثاء المثلثة، عُدِّي بالتضعيف كما عُدِّي بالهمزة. و «تَجْرِي» صفةٌ ل «غُرَفاً». اهـ (الدُّرُّ المصُون).