طالبَ المشركون المُسْلِمِين وقالوا قدْ غَلَبْنَاكُمْ، لأنه قد مَضت بضع
سنين ولم تغلب الرومُ فَارِسَ، واحتج عليهم المسلمون بأن البِضْعَ
لَمْ يَكْمُل، وزادوهم وأخروهم إلى تمام البِضْعِ، فغلبت الروم فارسَ
وقمَرَ المسلمون وذلك قبل أن يُحَرَّمَ القِمَارُ وَفرِحَ المسلمون وخَزِيَ
الكافرون.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤)
القراءة الضم، وعليه أهل العربية، والقراء كُلُّهم مجمعون
عليه، فأمَّا النحويون فيجيزون مِنْ قَبْلٍ ومن بَعْدٍ بالتنوين.
وبعضهم يجيز من قَبْلِ وَمِن بَعْدِ - بغير تنوين، وهذا خَطَأ لأن قَبْل وبَعْد ههنا
أصلهما الخفض ولكن بُنيَتَا علَى الضم لأنهما غايَتَانِ.
ومعنى (غاية) أن الكلمة حذفت منها الإضافَةُ، وَجُعِلَت غاية الكلمة ما بقيَ بعد الحَذْفِ. وإنما بُنِيَتَا على الضم لأن إعرابَهُمَا في الإضَافَةِ النصبُ
والخَفْضُ.
تقول: رأيته قبلَكَ وَمِنْ قَبْلِكَ، ولا يرفعان لأنهما لا يُحدَّث
عَنْهُمَا لأنهما اسْتُعْمِلتَا ظرفَيْنِ، فلما عُدِلَا عن بابهما حُركا بغير
الحركتين اللتَيْنِ كانتا تَدْخُلَانِ عليهما بحق الإعراب.
فأمَّا وجوب ذهاب إعْرَابِهما، وَبِنَاؤُهما فلأنهُما عُرفَا من غير جهة التعريف، لأنه حذف منهما ما أضيفتا إلَيْه.
والمعنى للَّهِ الأمر من قبل أَنْ يُغْلَبَ الروم ومن بعد ما غُلِبَتْ، وأَما
الخَفْض والتنْوِينُ فعلى من جعلهما نكرتين.
المعنى: لِلَّهِ الأمر مِنْ تَقَدُّمٍ وَتَأخُّرٍ.
والضمُ أَجْوَدُ، فأما الكسر بلا تنوينٍ فذكر الفرَاء أَنَه تَرْكُهْ
عَلَى ما كَانَ يَكُونُ عَلَيْه في الإضافَةِ ولم يُنَوَّن، واحتج بقول الأول:


الصفحة التالية
Icon