ْمثقال حبة، وعلى معنى أن فَعْلَةَ الإنسان وإن صَغُرَتْ يأت الله بها.
ويجوز أنها إن تك بالتاء مثقال حبة من خردل، على معنى أن القصة
كما تقول: أنَّها هند قائمة، ولو قُلْتَ أنَّها زيد قائم لجاز، إلا أن
النحويين يختارون ذلك مَعَ المُذَكرِ، ويجيزون مع المؤنث التأنيث
والتذكير، يقولون: إنهُ هِنْدٌ قَائِمَة، وإنها أمة اللَّه قائمة.
فيجيزون الوَجْهَيْن. فأمَّا أنَّها إن تَكُ مثقَالَ حَبةٍ من خردل عند من لا يجيز إنها زَيْد قَائِم "، فيجوز عنده هذا لأن مَعْنَاه التأنيث بِرَدِّ (ما) إلى الحبَّةِ من
الخردل (١).
* * *
وقوله تعالى: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (١٨)
ويقرأ تُصَاعِرُ، ويجوز في العربية: ولا تُصْعِرْ، ولا أعلم أحَداً قرأ
بها، فإذا لم ترو فلا تقرأ بها، ومعناه لا تُعْرِضْ عن الناس تَكَبُّراً، يقال
أصاب البعيرَ صَعَرٌ وصَيَد إذا أَصَابه دَاء فلوى منه عنُقَهُ، فيقال للمتكبر
فيه صَعَر، وفيه صَيَدٌ، فأما (تُصَعِّرْ) فعلى وجه المُبَالَغَة، ويصاعر جاء
على معنى يُفَاعِل، كأنك تُعَارِضُهُمْ بِوَجْهِك.
ومعنى (تُصْعِرْ) تلزم خَدَّك الصَّعَرَ، لأنه لا داء بالإنسان أَدْوَأَ من الكِبْرِ.
والمعنى في الثلاثة هذا.
المعنى: إلا أن (تُصَعِّرْ) وَتُصَاعِرْ أبْلَغُ من (تُصْعِرْ) (٢).
* * *
وقوله: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا).
أي لا تَمْشِ مُتَبَخْتِراً مُخْتَالاً.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩)
(وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ).

(١) قال السَّمين:
قوله: ﴿إِنَّهَآ إِن تَكُ﴾: ضميرُ القصةِ. والجملةُ الشرطيةُ مفسِّرةٌ للضميرِ. وتقدَّم أنَّ نافعاً يقرأُ «مثْقالُ» بالرفع على أنَّ «كان» تامةٌ وهو فاعلُها. وعلى هذا فيُقال: لِمَ لَحِقَتْ فعلَه تاءُ التأنيث؟ قيل: لإِضافته إلى مؤنث، ولأنه بمعنى: زِنَةُ حَبَّة. وجَوَّز الزمخشري في ضمير «إنها» أَنْ تكونَ للهِنَةِ من السَّيِّئاتِ أو الإِحسان في قراءةِ مَنْ نصب «مِثْقال». وقيل: الضميرُ يعودُ على ما يُفْهَمُ مِنْ سياقِ الكلامِ أي: إنَّ التي سألْتَ عنها إنْ تَكُ. وفي التفسير: أنه سأل أباه: أرأيتَ الحبة تقع في مَغاصِ البحر: أيعلُمها اللَّه؟
وقرأ عبد الكريم الجَزَرِيُّ «فَتَكِنَّ» بكسرِ الكاف وتشديد النونِ مفتوحةً أي: فتستقرَّ. وقرأ محمد بن أبي فجة البعلبكي «فَتُكَنَّ» كذلك إلاَّ أنه مبنيٌّ للمفعول. وقتادة «فَتَكِنُ» بكسرِ الكاف وتخفيف النونِ مضارعَ «وَكَنَ» أي: استقرَّ في وَكْنِه ووَكْرِه.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).
(٢) قال السَّمين:
قوله: ﴿وَلاَ تُصَعِّرْ﴾: قرأ نافعٌ وأبو عمروٍ والأخَوان «تَصاعِرَ» بألفٍ وتخفيفِ العينِ. والباقون دون ألفٍ وتشديد العين، والرسمُ يَحْتمِلُهما؛ فإنَّ الرسمَ بغيرِ ألفٍ. وهما لغتان: لغةُ الحجازِ التخفيفُ، وتميمٌ التثقيلُ. فمِن التثقيلِ قوله:
٣٦٥٧ وكُنَّا إذا الجبارُ صَعَّر خَدَّه... أقَمْنا له مِنْ مَيْلِه فَيُقَوَّمُ
ويقال أيضاً: تَصَعَّر. قال:
٣٦٥٨.......................... أَقَمْنا له مِنْ خَدِّه المُتَصَعِّرِ
وهو من المَيْل؛ وذلك أنَّ المتكبِّر يَميل بخَدِّه تكبُّراً كقولِه ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾ [الحج: ٩]. قال أبو عبيدة: «أصلُه من الصَّعَر، داءٌ يأخُذُ الإِبِلَ في أعناقِها فتميلُ وتَلْتوي». وتفسيرُ اليزيديِّ له بأنَه التَّشَدُّقُ في الكلامِ لا يوافِقُ الآية هنا. اهـ (الدُّرُّ المصُون).


الصفحة التالية
Icon