روي عن ابن عَبَّاس وسَعِيدِ بن جبير أنهما قالا: الأمانة ههنا
الفرائض التي افترضها اللَّه على عبادة، وقال ابن عُمَر: عرضت على
آدمَ الطاعةُ والمعصيةُ وعرف ثوابَ الطاعة. وعقابَ المعصية.
وحقيقة هذه الآية - واللَّه أعلم، وهو موافق للتفسير - أن اللَّه عزَّ وجلَّ ائتمن بني آدم على ما افترضه عليهم من طاعته، وائتمن السَّمَاوَاتِ والأرضَ
والجبالَ على طاعته والخضوع له، فأعلمنا الله أنه قال:
(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (١١).
وأعلمنا أن من الحجارة ما يَهْبِطُ من خشية اللَّه وأن الشمس والقمرَ والنجومَ والملائكةَ وكثيراً من الناس يسجدون للَّهِ.
فأعلمنا اللَّه أن السَّمَاوَات والأرض والجبال لم تحتمل الأمانة، أي
أَدَّتْها، وكل من خان الأمانة فقد احتملها، وكذلك كل من أَثِمَ فقد
احتمل الإثم، قال اللَّه عزَّ جل: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ). فأَعلم اللَّه أن من باء بالإثم يسمَّى حاملا للإثْمِ.
فالسَّمَاوَات والأرض والجبال أَبَيْنَ أن يحملن الأمانة وأدَّينَها.
وَأَدَاؤها طاعة اللَّه فيمَا أَمَر به، والعَمَلُ به وترك المَعْصِيَةِ.
وحَمَلَها الإنْسانُ، قال الحَسَنُ: الكافر والمنافق حَمَلا الأمانة ولم
يطيعا.
فهذا المعنى والله أعلم.
ومن أطاع من الأنبياء والصديقين والمؤمنين فلا قال كان ظلوماً جَهُولًا، وتصديق ذلك ما يتلو هذه الآية
من قوله: (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٧٣)


الصفحة التالية
Icon