إذَا قصُرتْ أسْيافُنا كان وَصْلُها... خطانا إلى أعدائنا فنضاربُ
المعنى يكون وصلها، الدليل على ذلك جزم " فَنُضَارِبْ ".
ويجوز أن يكون العامل في " إذا " مضمراً، يدل عليه (إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ)
ويكون المعنى هل ندلكم على رجل يُنَبئكُمْ يقول لكم إذا
مزقتم بعثتم، إنكم لفي خلق جديد، كما قالوا: (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَا تُراباً
وَعِظَاماً أَئِنَا لَمَبْعُوثُونَ).
فإذا يجوز أنْ تكون منصوبة بفعل يدل عليه " إنَا لَمَبْعُوثُونَ "
ولا يجوز " أنكُمْ لَفِي خلق جديد " بالفتح، لأن اللام إذا جاءت لم يجز إلا كسر إن (١).
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩)
أي ألم يَتَأمَّلُوا ويعْلَمُوا أن الذي خلق السماء والأرض قادر على
أن يبعثهم، وقَادِرٌ أن يخسف بِهِمُ الأرْضَ أو يسقط السماء عليهم
كِسَفاً.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ).
أي إن في ذلك عَلَامة تَدلَّ مَنْ أَنَابَ إلى اللَّه ورجع إليه وتأمَّل ما
خلق على أنه قادر على أن يحيي الموتى.
* * *
وقوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠)
قوله: ﴿إِذَا مُزِّقْتُمْ﴾: «إذا» منصوبٌ بمقدرٍ أي: تُبْعَثون وتُجْزَوْن وقتَ تمزيقكم لدلالةِ ﴿إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ عليه.
ولا يجوز أن يكونَ العاملُ «يُنَبِّئكم» لأن التنبئةَ لم تقعْ ذلك الوقتَ. ولا «خَلْقٍ جديدٍ» لأنَّ ما بعد «إنَّ» لا يعمل فيما قبلها. ومَنْ تَوَسَّعَ في الظرف أجازه. هذا إذا جَعَلْنا «إذا» ظرفاً مَحْضاً. فإنْ جَعَلْناه شرطاً كان جوابُها مقدراً أي: تُبْعَثون، وهو العاملُ في «إذا» عند جمهور النحاة.
وجَوَّز الزجَّاج والنحاس أن يكون معمولاً ل «مُزِّقْتُمْ». وجعله ابنُ عطية خطأً وإفساداً للمعنى. قال الشيخ: «وليس بخطأ ولا إفسادٍ. وقد اخْتُلف في العامل في» إذا «الشرطية، وبَيَّنَّا في» شرح التسهيل «أنَّ الصحيحَ أنَّ العامَل فيها فعلُ الشرط كأخواتِها من أسماء الشرط». قلت: لكنَّ الجمهورَ على خلافِه. ثم قال الشيخ: «والجملةُ الشرطيةُ يُحتمل أَنْ تكونَ معمولة ل» يُنَبِّئُكم «لأنه في معنى: يقول لكم إذا مُزِّقْتُمْ: تُبْعَثُون. ثم أكَّد ذلك بقوله: ﴿إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾. ويُحتمل أن يكون ﴿إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ﴾ مُعلِّقاً ل» يُنَبِّئكم «سادًّا مَسَدَّ المفعولين، ولولا اللام لفُتِحَتْ» إنَّ «وعلى هذا فجملةُ الشرطِ اعتراضٌ. وقد منع قومٌ التعليقَ في» أعلم «وبابِها، والصحيحُ جوازُه. قال:
حَذارِ فقد نُبِّئْتُ إنكَ لَلَّذيْ... سَتُجْزَى بما تَسْعَى فتسعدَ أو تَشْقَى
وقرأ زيد بن علي بإبدالِ الهمزةِ ياءً. وعنه» يُنْبِئُكم «من أَنْبأ كأكرم.
ومُمَزَّقٌ فيه وجهان، أحدهما: أنه اسمُ مصدرٍ، وهو قياسُ كلِّ ما زاد على الثلاثة أي: يجيءُ مصدرُه وزمانُه ومكانُه على زِنَةِ اسم مفعولِه أي: كلَّ تمزيق. والثاني: أنه ظرفُ مكانٍ. قاله الزمخشري، أي: كلَّ مكانِ تمزيقٍ من القبورِ وبطون الوَحْشِ والطير. ومِنْ مجيءِ مُفَعَّل مجيءَ التفعيلِ قوله:
ألَمْ تَعْلَمْ مُسَرَّحِيَ القوافِيْ... فلا عِيَّاً بهنَّ ولا اجْتِلابا
أي: تَسْريحي. والتَّمْزِيق: التخريقُ والتقطيع. يُقال: ثوب مُمَزَّق ومَمْزوق. ويُقال: مَزَقه فهو مازِقٌ ومَزِقٌ أيضاً. قال:
أتاني أنهم مَزِقُون عِرْضِيْ...........................
وقال الممزق العبدي - وبه سُمِّي المُمَزَّق:
فإنْ كنتُ مأكولاً فكن خيرَ آكلٍ... وإلاَّ فأدْرِكْني ولَمَّا أُمَزَّقِ
أي: ولما أُبْلَ وأُفْنَ.
و» جديد «عند البصريين بمعنى فاعِل يقال: جَدَّ الشيءُ فهو جادُّ وجديد، وعند الكوفيين بمعنى مفعول مِنْ جَدَدْتُه أي: قَطَعْتُه. اهـ (الدُّرُّ المصُون).