وإنما ذكر الخير وحده، ثم قال أَيُّهما يليني، لأن قد علم أَنً
الإنسان الخيرُ والشر مُعرَّضَانِ له، لا يدري إذا أَمَّ أَرْضاً أَيَلْقاه هذا أم
هذا، ومثله من كتاب اللَّه: (سَرَابِيل تَقِيكمُ الْحَرَّ)، ولم يذكر البرد.
لأن ما وَقَى هذا وَقَى هذا.
* * *
(وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ
(٩)
(سَدًّا) و (سُدًّا) - بالفتح والضمِ - ومعناهما واحدٌ.
وقد قيل: السد فعل الإنْسَانِ والسُّد خلقة المسدود.
وفيه وجهان: أحدهما قد جاء في التفسير، وهو أَن قوماً أرادوا بالنبي - ﷺ - سوءاً فحال اللَّه بينهم وبين ذلك فجعلوا بمنزلة من هذه حاله، فجعلوا بمنزلة من غُلَّتْ يمينه وسُدَّ
طريقه من بين يديه ومن خَلْفِهِ وَجُعِلَ على بَصَرِهِ غِشَاوة، وهو معنى
(فَأغْشَيْنَاهُمْ).
. ويقرأ فَأعْشَيْنَاهُمْ بالعَيْن غير معجمة، فحال اللَّه بينهم وبين
رسوله وكان في هؤلاء أبو جهل فيما يُرْوَى، ويجوز أن يكون وصَفَ
إضْلاَلَهُم فقال: (إنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالاً فَهِيَ إلَى الأذْقَانِ)، أي
أضللناهم فأمسكنا أيديهم عن النفقة في سبيل اللَّه والسعيِ فيما
يقرب إلى اللَّهِ (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا)، كما
قال: (خَتَمَ اللَّه عَلَى قُلُوِبهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ) الآية.
والدليل على هذا قوله: (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا
يُؤمِنُونَ)، لأن من أضله الله هذا الإضلال لم ينفعه الِإنذار.
* * *
(إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١)


الصفحة التالية
Icon