جاء في التفسير أنهم أهل إنطاكية، وجه إليهم عيسى اثنين
فَكَذبُوهُمَا قال: (فَعَزَزْنَا بِثَالِث).
ويقرأ فَعَزَزْنا - بالتشديد والتخفيف - ومعنى فعززنا فقويْنَا
وشدَّدْنَا الرسالة بثالث أي برسول ثالث:
(فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) إلى - قوله (الْبَلَاغُ الْمُبِينُ).
فأعلمهم الرسُلُ إنما عليهم البلاغُ.
* * *
(قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨)
(قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ)
أي نَشَاءَمْنَا.
(لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ).
أي لنقتلنكم رَجْماً.
* * *
(قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩)
(قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ)
ويجوز طَيْرُكُم معكم.
لأنه يقال طَائر وَطَير في معنى واحد، ولا أعلم أحَداً قرأ ههنا
طيركم بغير ألف، والمعنى قالوا شُؤْمُكُم مَعَكُمْ.
(أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ).
أي أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ تَطَيَّرتم، ويقرأ أَأَنْ ذُكِرتُم، أي لأن ذكِرْتُمْ (١).
* * *
وقوله: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠)
هذا رجل كان يعبد اللَّه في غارٍ في جَبَل، فلما سمع بالمرسلين
جاء يسعى، أي يَعْدُو إليهم، فقال: أتريدون أَجْراً على ما جئتم به
فقال المرسلون: لا، وكان يقال لهذا الرجل فيما رُوي حبيبُ النجار
قوله: ﴿طَائِرُكُم﴾: العامَّةُ على «طائر» اسمَ فاعل أي: ما طارَ لكم من الخيرِ والشرِّ فعبَّر عن الحَظِّ والنصيب. وقرأ الحسن - فيما رَوَى عنه الزمخشري - «اطَّيُّرُكم» مصدرُ اطَّيَّر الذي أصلُه تطَيَّر فلمَّا أُرِيْدَ إدغامُه أُبْدِلَتِ التاءُ طاءً، وسُكِّنَتْ واجْتُلِبَتْ همزةُ الوصلِ فصار اطَّيَّرَ فيكون مصدره اطَّيُّرَاً. ولَمَّا ذكر الشيخ هذا لم يَرُدَّ عليه، وكان هو في بعضِ ما رَدَّ به على ابن مالك في «شرح التسهيل» في باب المصادر قال: «إن مصدرَ تَطَيَّر وتدارَأ إذا أدغما وصارا اطَّيَّرَ وادَّارأ لا يجيءُ مصدرُهما عليهما بل على أصلهما فيقال: اطَّيَّر تَطَيُّراً، وادَّارأ تدارُؤاً، ولكنَّ هذه القراءةَ تَرُدُّه إنْ صَحَّتْ وهو بعيدٌ. وقد رَوَى غيرُه عنه» طَيْرُكم «بياء ساكنة ويَغْلِبُ على الظنِّ أنَّها هذه، وإنما تَصَحَّفَتْ على الرائي فحَسِبها مصدراً، وظنَّ أنَّ ألف» قالوا «همزةُ وَصْلٍ.
قوله:» أإنْ ذُكِّرْتُمْ «قرأ السبعةُ بهمزةِ استفهام بعدها» إنْ «الشرطيةُ، وهم على ما عَرَفْتَ مِنْ أصولِهم: من التسهيلِ والتحقيق وإدخالِ ألفٍ بين الهمزتين وعدمِه في سورةِ البقرة. واختلف سيبويهِ ويونسُ إذ اجتمع استفهامٌ وشرطٌ أيُّهما يُجابُ؟ فذهبَ سيبويهِ إلى إجابةِ الاستفهام، ويونسُ إلى إجابة الشرطِ، فالتقديرُ عند سيبويهِ:» أإن ذُكِّرْتُمْ تتطيَّرون «وعند يونسَ» تطيَّرُوا «مجزوماً، فالجوابُ للشرطِ على القولين محذوفٌ. وقد تقدَّم هذا في سورة الأنبياء.
وقرأ أبو جعفر وطلحة وزرٌّ بهمزتين مفتوحتين إلاَّ أن زرَّاً لم يُسَهِّلَ الثانيةَ كقوله:
٣٧٧٧ أإنْ كُنْتَ داودَ بنَ أحوى مُرَجَّلاً... فلستَ براعٍ لابنِ عمِّك مَحْرَما
ورُوي عن أبي عمروٍ وزرٍّ أيضاً كذلك، إلاَّ أنهما فَصَلا بألفٍ بين الهمزتين. وقرأ الماجشون بهمزةٍ واحدةٍ مفتوحة. وتخريجُ هذه القراءاتِ الثلاثِ على حَذْفِ لامِ العلةِ أي: ألَئِنْ ذُكِّرْتم تطيَّرْتُمْ، ف تَطَيَّرْتُمْ هو المعلولُ، وأنْ ذُكِّرتم علتُه، والاستفهامُ منسَحِبٌ عليهما في قراءةِ الاستفهامِ وفي غيرِها يكونُ إخباراً بذلك.
وقرأ الحسن بهمزةٍ واحدةٍ مكسورة وهي شرطٌ من غير استفهامٍ، وجوابُه محذوفٌ أيضاً.
وقرأ الأعمشُ والهمدانيُّ» أَيْنَ «بصيغةِ الظرفِ. وهي» أين «/ الشرطيةُ، وجوابُها محذوفٌ عند جمهور البصريين أي: أين ذُكرتم فطائرُكم معكم، أو صَحِبَكم طائرُكم، لدلالةِ ما تقدَّم مِنْ قولِه» طائرُكُمْ معكم «ومَنْ يُجَوِّزُ تقديمَ الجوابِ لا يَحْتاج إلى حَذْفٍ.
وقرأ الحسن وأبو جعفر وأبو رجاء والأصمعيُّ عن نافع» ذُكِرْتُمْ «بتخفيفِ الكاف.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).