كل نار بعضُها فوق بَعض، وهي جَحْمٌ.
* * *
(رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠)
يقول: هب لي ولداً صَالِحاً من الصالِحِينَ.
* * *
(فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (١٠١)
وهذه البِشَارَة تدل على أنه غلام وأنه يبقى حتى يُوصفَ بالحلم.
* * *
(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ
(١٠٢)
أي أدرك معه العَمَل، يقال إنَّه قد بلغ في ذلك الوقت ثلاث عشرة سنة.
(قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى).
تقرأ غَيْرَ مماله، وَ (تَرَى) - مُمَالَة، - و (تُرِي) - بلا إمالة، - وتُرِي - بالإمالة -
و (ماذا تُرَى) ففيها خمسة أوجه (١):
ترى - بالفتح وبالكسر.
وكذلك في تُرِي وتُرَى،. وفيها خمسة أوجه أخر لم يقرأ بشيء منها، فَلَا تقرأنَّ بها، وهو أن تأتي الخمسة التي ذكرناها ممالة وغير ممالة بغير همز فتهمزها كلها، فما كان مُمَالاً هَمِزَ وأمال، وما لم يكن مُمَالاً أمال ولم يهمز.
ويجوز ماذا تَرْأَى ممال.
وماذا تُرْئِي، وماذا تُرْأَى، وماذا تَرَى وَمَاذا تُرَى.
فمعنى ماذا تَرأَى وتُرْئي من الرأي، ومعنى ماذا تُرَى مَاذَا تُشِيرُ.
وَزَعَم الفراء أن معناه مَاذَا تُرِيني من صَبْرِكَ، ولا أعلم أحَداً قَالَ هَذَا.
وفي كل التفسير ما تُرِي ما تشير.
* * *
قال: (يَا أبَتِ افْعَلْ مَا تُومَرُ).
ورؤية الأنبياء في المنام وحيٌ بمنزلة الوحي إليهم في اليقظة.
وقد فَسَّرْنَا يا أَبَهْ، وإعرابَهُ فيما سَلَفَ من الكتاب.
قوله: «ماذا ترى» يجوزُ أَنْ تكونَ «ماذا» مركبةً مغلَّباً فيها الاستفهامُ فتكونَ منصوبةً ب «تَرَى»، وهي وما بعدها في محلِّ نصب ب «انْظُر» لأنها مُعَلِّقةٌ له، وأنْ تكونَ «ما» استفهاميةً، و «ذا» موصولةً، فتكون مبتدأً وخبراً، والجملةُ معلِّقَةٌ أيضاً، وأَنْ تكونَ «ماذا» بمعنى الذي فتكونَ معمولاً ل «انْظُرْ». وقرأ الأخَوان «تُري» بالضم والكسر. والمفعولان محذوفان، أي: تُريني إياه مِنْ صبرك واحتمالك.
وباقي السبعة/ «تَرَى» بفتحتين مِن الرأي. وقرأ الأعمش والضحَّاك «تُرَى» بالضمِّ والفتح بمعنى: ما يُخَيَّلُ إليك ويَسْنَحُ بخاطرك.
وقوله: «ما تُؤْمَرُ» يجوزُ أَنْ تكونَ «ما» بمعنى الذي، والعائدُ مقدرٌ أي: تُؤْمَرُه، والأصلُ: تُؤْمَرُ به، ولكنَّ حَذْفَ الجارِّ مُطَّرِدٌ، فلم يُحْذَفْ العائدُ إلاَّ وهو منصوبُ المحلِّ، فليس حَذْفُه هنا كحذفِه في قولك: «جاء الذي مَرَرْتُ». وأَنْ تكونَ مصدريةً. قال الزمخشري: «أو أَمْرَك، على إضافةِ المصدرِ للمفعول وتسميةِ المأمورِ به أمراً» يعني بقولِه المفعول أي: الذي لم يُسَمَّ فاعلُه، إلاَّ أنَّ في تقدير المصدرِ بفعل مبنيّ للمفعولِ خلافاً مَشْهوراً. اهـ (الدُّرُّ المصُون).