باعتراضها إلى أن غابت الشمس وفاتته صلاة العصر.
قال أهل اللغة: (حَتَّى تَوارَتْ بِالحِجَابِ).
يعنى الشمس، ولم يَجْر للشمس ذكر..
وهذا لا أحسبهم أعْطَوُا الفكرَ حقَّه فيه، لأن في الآية دليلاً يدل على الشمس، وهو قوله: (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ) والعِشي في معنى بَعدَ زَوال الشمس.
حتى تَوارَتِ الشمسُ بالحجاب، وليس يجوز الإضمارُ إلا أن يجرِيَ ذكْر أو دَليلُ ذِكْرٍ بمنزلة الذِكْرِ.
وكان سليمان لِهَيْبَتِه لا يَجْسُر عليه أَحَدٌ حَتَّى يُنَبَّه لوقت صلاة، ولست أدري هل كانت صلاةُ العَصْرِ مَفْروضَةً في ذلك الوقت أم لا، إلا أن اعتراضه الخيل قد شغله حتى جاز وَقْت يذكر اللَّه - جلَّ وعزَّ - فيه.
ومعنى (أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) آثرت حب الخير على ذكر اللَّه (١).
* * *
(رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (٣٣)
المسح ههنا على ما جاء في التفسير القطع، وَروي أنه ضَرَبَ سُوقها
وأعناقَها (٢)، وسُوق جمعُ سَاقٍ، مثل دَار ودُور. ولم يكن سليمان ليضرب أعناقها إلا وقد أباح اللَّه ذلك، لأنه لا يجعل التوبة من الذنب بذَنْبٍ عظيم. وقال قوم إنه مسح أعناقها وسوقها بالماء وبيده، وهذا ليس يوجب شغلها إياه، أعني أن يمسحها بالماء، وإنَّمَا قال ذلك قوم لأن قتلها كان عندهم منكراً.
وليس ما يبيحه اللَّه بمنكر، وجائز أن يباح ذلك لسليمان في وقته ويحظر في هذا الوقت، ومالك يذهب إلى أنه لا ينبغي أن يؤكل لحم الخيل والبغال
والحمير، لقول اللَّه عزَّ وجلَّ: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً)
وقال في الإبل: (لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ)
(٢) لا يصح ولا يثبت.