التفسير الشديدة البَرْدِ، وَنَحِسَاتٍ مشئومَاتٍ واحدها نحِسٌ.
ومن قرأ نَحْسَات فَواحدها نَحْسٌ، قال اللَّه - عزَّ وجلَّ -:
(فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩). (١)
* * *
(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٧)
الجَيِّدُ إسقاط التنوين، ويقرأ ثَمودٌ - بالتنوين - ويجوز ثَمُوداً بِالنًصْبِ.
بفعل مضمر الذي ظهر تفسيره.
ومعنى (هَدَيْنَاهُمْ) قال قَتَادَةُ بَينَّا لَهُمْ طريق الهُدَى وطَريق الضًلاَلَةِ.
(فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى).
والاختيار رفع ثمود على الابتداء والخبر، وهذا مذهب جميع النحويين.
اختيار الرفع، وكلهم يجيز النصْبَ.
وقوله - عزَّ وجلَّ -: (فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ).
فَالهونُ والخزيُ الذي يهينهم ويخزيهم.
* * *
(وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩)
يقرأ إلى النارِ - بفتح النون والتفخيم - وقراءة أبي عَمْرٍو - إلى النارِ -
على الإمالة إلى الكسر - وإنَّما يختار ذلك مع الراءِ - يعني الكسر - لأنها حرف فيه تكريرٌ، فلذلك آثَرَ أَبُو عَمْرٍ الكسرَ.
(فَهُمْ يُوزَعُونَ).
جاء في التفسير يُحْبَسُ أَوَّلُهم على آخِرِهِمْ، وأصله من وزعْتُهُ إذا
كففته، وقال الحسن البَصْرِي حين وَليَ القضاءَ: لَا بُدَّ للناس من وَزَعةٍ.
أي لا بد لهم من أَعْوانٍ يَكُفُّونَ الناس عَنِ التعَدِّي.
قوله: ﴿صَرْصَراً﴾: الصَّرْصَرُ: الريحُ الشديدة فقيل: هي الباردةُ مِن الصِّرِّ، وهو البردُ. وقيل: هي الشديدةُ السَّمومِ. وقيل هي المُصَوِّتَةُ، مِنْ صَرَّ البابُ أي: سُمِع صريرُه. والصَّرَّة: الصَّيْحَةُ. ومنه: ﴿فَأَقْبَلَتِ امرأته فِي صَرَّةٍ﴾ [الذاريات: ٢٩]. قال ابن قتيبة: «صَرْصَر: يجوزُ أَنْ يكونَ من الصِّرِّ وهو البردُ، وأَنْ يكونَ مِنْ صَرَّ البابُ، وأَنْ تكونَ من الصَّرَّة، وهي الصيحةُ، ومنه: ﴿فَأَقْبَلَتِ امرأته فِي صَرَّةٍ﴾ [الذاريات: ٢٩]. وقال الراغب:» صَرْصَر لفظة من الصِّرِّ، وذلك يرجِعُ إلى الشَّدِّ لِما في البرودة من التعقُّدِ «.
قوله:» نَحِساتٍ «قرأ الكوفيون وابن عامر بكسرِ الحاءِ، والباقون بسكونِها. فأمَّا الكسرُ فهو صفةٌ على فَعِل، وفعلُه فَعِل بكسرِ العين أيضاً كفِعْلِهِ يقال: نَحِس فهو نَحِسٌ كفَرِح فهو فَرِحٌ، وأَشِرَ فهو أَشِرٌ. وأمال الليث/ عن الكسائي ألفَه لأجل الكسرةِ، ولكنه غيرُ مشهورٍ عنه، حتى نسبه الدانيُّ للوَهْم.
وأمَّا قراءةُ الإِسكانِ فتحتملُ ثلاثةَ أوجهٍ، أحدُها: أَنْ يكونَ مخففاً مِنْ فَعِل في القراءةِ المتقدمةِ، وفيه توافُقُ القراءتين. والثاني: أنَّه مصدرٌ وُصِفَ به كرجلٍ عَدْلٍ. إلاَّ أنَّ هذا يُضْعِفُه الجمعُ فإنَّ الفصيحَ في المصدرِ الموصوفِ أَنْ يُوَحَّدَ، وكأنَّ المُسَوِّغَ للجمع اختلافُ أنواعِه في الأصل. والثالث: أنه صفةٌ مستقلةٌ على فَعْل بسكونِ العينِ. ولكن أهلَ التصريفِ لم يذكروا في الصفةِ الجائيةِ مِنْ فَعِلَ بكسرِ العين، إلاَّ أوزاناً محصورةً ليس فيها فَعْل بالسكونِ فذكروا: فَرِحَ فهو فَرِحٌ، وحَوِرَ فهو أحورُ، وشَبعَ فهو شبعانُ، وسَلِمَ فهو سالمٌ، وبَلي فهو بالٍ.
وفي معنى» نَحِسات «قولان، أحدهما: أنها مِن الشُّؤْم. قال السدِّي: أي: مشائيم مِن النَّحْسِ المعروف. والثاني: أنها شديدةُ البردِ. وأنشدوا على المعنى الأول قولَ الشاعرِ:
٣٩٥٤ يَوْمَيْنِ غَيْمَيْنِ ويوماً شَمْسا... نَجْمَيْنِ سَعْدَيْنِ ونجماً نَحْسا
وعلى المعنى الثاني قولَ الآخرِ:
٣٩٥٥ كأنَّ سُلافَةً عُرِضَتْ لنَحْسٍ... يُحِيْلُ شَفيفُها الماءَ الزُّلالا
ومنه:
٣٩٥٦ قد أَغْتدي قبلَ طُلوعِ الشمسِ... للصيدِ في يومٍ قليلِ النَّحْسِ
وقيل: يُريدُ به في هذا البيت الغبارَ أي: قليلِ الغبار، وقد قيل بذلك في الآيةِ أنها ذاتُ غُبارٍ. و» نَحِسات «نعتٌ لأيَّام، والجمعُ بالألفِ والتاءِ مُطَّرِدٌ في صفةِ ما لا يَعْقِلُ كأيامٍ معدوداتٍ. وقد تقدَّم تحقيقُه في البقرة. اهـ (الدُّرُّ المصُون).