وقوله عزَّ وجلَّ: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ).
يعني القرآن.
(وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ).
أي هم في ترك القبول بمنزلة من في أذنه صمم.
(وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى)
ويقرأ (وهو عَلَيْهِمْ عَمٍ) بِكسر الميم والتنوين، ويجوز (وهو عَليْهِمْ عَمِيَ)
بإثبات الياء وَفَتْحِهَا، ولا يجوز إسكان الياء وترك التنوين (١).
(أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ).
يعني من قسوة قلوبهم يُبعَدُ عنهم مَا يُتْلَى عليهم.
* * *
(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (٤٥)
(وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ)
ْالكلمة وَعْدَهُمُ الساعة، قال عزَّ وجلَّ: (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ)
* * *
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦)
(وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا).
أي: على نفسه.
ويدل على أن الكلمة ههنا الساعة قوله: (إلَيْه يُرَد عِلْمُ السَّاعَةِ).
وقوله - عزَّ وجلَّ -: (وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (٤٧)
(وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا).
نحو خروج الطلع من قشره.
(وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي).

(١) قال السَّمين:
قوله: ﴿والذين لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أَنْ يكونَ مبتدأً، و «في آذانِهم» خبرُه و «وَقْرٌ» فاعلٌ، أو «في آذانهم» خبرٌ مقدم «ووقرٌ» مبتدأٌ مؤخر، والجملةُ خبرُ الأول. الثاني: أنَّ وَقْراً خبرُ مبتدأ مضمرٍ. والجملةُ خبرُ الأولِ والتقديرُ: والذين لا يُؤْمنون هو وَقْرٌ في آذانهم لَمَّا أَخْبر عنه بأنه هدىً لأولئك، أخبر عنه أنه وَقْرٌ في آذان هؤلاءِ وَعَمَىً عليهم. قال معناه الزمخشري. ولا حاجةَ إلى الإِضمار مع تمام الكلامِ بدونه. الثالث: أن يكونَ ﴿الذين لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ عطفاً على «الذين آمنوا»، و «وَقْرٌ» عطفٌ على «هدىً» وهذا من بابِ العطفِ على معمولَيْ عامِلَيْنِ. وفيه مذاهبُ تقدَّم تحريرُها.
قوله: «عَمَىً» العامَّةُ على فتحِ الميم المنونةِ وهو مصدرٌ ل عَمِي يَعْمَى نحو: صَدِي يَصْدَى صَدَىً، وهَوِي يَهْوَى هَوَىً.
وقرأ ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وجماعة «عَمٍ» بكسرِها منونةً اسماً منقوصاً وُصِفَ بذلك مجازاً. وقرأ عمرو بن دينار ورُوِيت عن ابن عباس «عَمِيَ» بكسر الميم وفتح الياء فعلاً ماضياً. وفي الضمير وجهان أظهرُهما: أنه للقرآن. والثاني: أنه للوَقْر والمعنى يأباه، و «في آذانهم» - إنْ لم تجعَلْه خبراً - متعلقٌ بمحذوفٍ على أنه حالٌ منه؛ لأنه صفةٌ في الأصلِ ولا يتعلَّق به، لأنَّه مصدرٌ، فلا يتقدَّم معمولُه عليه وقوله: ﴿وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾ كذلك في قراءة العامَّةِ، وأمَّا في القراءتين المتقدمتين فتتعلَّق «على» بما بعده؛ إذ ليس بمصدرٍ. اهـ (الدُّرُّ المصُون).


الصفحة التالية
Icon