وقوله: (وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ).
هذا منصوبٌ لأنه مَصْدَرٌ مؤكد لما قبله، لأن قوله: أولئك الذين نَتَقئلُ
عَنْهُم أحسنَ مَا عَمِلُوا. بمعنى الوعد، لأنه قد وعدهم الله القَبُولَ.
فوعدُ الصِّدْقِ توكيد لذلك.
* * *
وقوله تعالى: (وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٧)
(أُفِّ لَكُمَا)
وقد قرئت (أُفٍّ لَكُمَا) (أُفَّ لَكُمَا) وقد فسرنا ذلك في سُورَةِ بني
إسرائيل.
وقولهِ: (أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ).
ويقرأ (أَنْ أَخرُجَ) ويجوز أَتَعِدَانِي بالإدْغَام، وإن شئت أَظْهَرَت النونَيْنِ.
وإنْ شئت أسكنت الياء، وإن شئت فتحتها.
وقد رُوِيَتْ عن بعضهم أَتَعِدانَني - بالفتح. وذلك لحن لا وجه له، فَلاَ تَقْرَأَنَّ به، لأن فتح نُونِ الاثْنَيْنِ خطأ، وإن حُكِي ذلكَ في شُذُوذٍ، فلا تحمل القراءة على الشذوذِ (١).
ويروى أن قوله في الآيةِ التي قبل هذه إلى قولك له: (أولئك الذين نتقبل
عنهم) نزلت في أبي بكر رَحْمَةُ اللَّه عَلَيْه.
فأما قوله: (وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا).
فقال بعضهم: إنها نزلت في عبد الرحمن قبل إسلامه، وهذا يبطله
قوله (أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (١٨)

(١) قال السَّمين:
قوله: «أَتَعِدانِني» العامَّةُ على نونَيْن مكسورتَيْن: الأولى للرفع والثانية للوقاية، وهشام بالإِدغام، ونافع في روايةٍ بنونٍ واحدة. وهذه مُشَبَّهةٌ بقوله: ﴿تأمروني أَعْبُدُ﴾ [الزمر: ٦٤]. وقرأ الحسن وشيبة وأبو جعفر وعبد الوارث عن أبي عمروٍ بفتح النونِ الأولى، كأنَّهم فَرُّوا مِنْ توالي مِثْلَيْنِ مكسورَيْن بعدهما ياءٌ. وقال أبو البقاء: «وهي لغةٌ شاذَّةٌ في فتح نون الاثنين» قلت: إنْ عَنَى نونَ الاثنين في الأسماءِ نحو قولِه:
٤٠٤١ على أَحْوَذِيَّيْنَ اسْتَقَلَّتْ....................................
فليس هذا منه. وإن عَنَى في الفعلِ فلم يَثْبُتْ ذلك لغةً، وإنَّما الفتحُ هنا لِما ذكَرْتُ.
قوله: «أَنْ أُخْرَجَ» هو الموعودُ به، فيجوزُ أَنْ تُقَدِّرَ الباءَ قبل «أَنْ» وأَنْ لا تُقَدِّرَها.
قوله: «وقد خَلَتْ» جملةٌ حاليةٌ. وكذلك ﴿وَهُمَا يَسْتَغثِيَانِ الله﴾ أي: يَسْألان اللَّهَ. واستغاث يتعدَّى بنفسِه تارةً وبالباء أخرى، وإن كان ابنُ مالكٍ زعمَ أنَّه متعدٍّ بنفسِه فقط، وعابَ قولَ النحاةِ «مستغاث به» قلت: لكنه لم يَرِدْ في القرآن إلاَّ متعدَّياً بنفسِه: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ [الأنفال: ٩] ﴿فاستغاثه الذي﴾ [القصص: ١٥] ﴿وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ﴾ [الكهف: ٢٩] قوله: «وَيْلَكَ» منصوبٌ على المصدرِ بفعلٍ مُلاقٍ له في المعنى دونَ الاشتقاقِ. ومثله: وَيْحَه ووَيْسَه ووَيْبَه، وإمَّا على المفعولِ به بتقدير: ألزمَك الله وَيْلَكَ. وعلى كلا التقديرَيْن الجملةُ معمولةٌ لقولٍ مقدرٍ أي: يقولان وَيْلَكَ آمِنْ. والقولُ في محلِّ نصب على الحال أي: يَسْتغيثان اللَّهَ قائلين ذلك.
قوله: ﴿إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ﴾ العامةُ على كسرِ «إنَّ» / استئنافاً أو تعليلاً. وقرأ عمرو بن فائد والأعرج بفتحِها على أنها معمولةٌ ل آمِنْ على حَذْفِ الباءِ أي: آمِنْ بأنَّ وَعْدَ اللَّهِ حقٌّ. اهـ (الدُّرُّ المصُون).


الصفحة التالية
Icon