على ما قالوا على أن لفظه لفظ الخبر وفيه تبكيتٌ للمخاطب كأنَّه قال له: هذه نعمة أَن اتخذت بني إسرائيل عبيداً على جهة التبكيت لِفِرْعَوْنَ، واللفظ
يوجب أن موسى - ﷺ - قال: هذه نِعْمَة لأنك اتخذت بني إسرائيل عبيداً ولم تتخذني عَبْداً.
ويقال: عَبَّدْتُ الرجُلَ، وَأَعْبَدْتُه، اتخذته عَبْداً.
وموضع (أن) رفع على البَدَلِ من نعمةٍ، كأنَّه قال: وتلك نِعمة تَعَبُّدُكَ بني إسرائيل وتركك إياي غير عَبْدٍ.
ويَجُوزُ أن يكون " أَنْ " في موضع نَصْبٍ، المعنى إنما صارت
نِعْمَة على لأن عَبَّدْتَ بَنِي إسْرَائيل. أي لو لم تفعل ما فعَلْتَ لكفلني أهلي
ولم يَلْقُوني في اليمِّ، فإنما صارت نِعْمَةً بما فَعَلْتَ من البلاء.
وقال الشاعر في أَعْبَدْتُ اتخذتُ عَبْداً:
عَلامَ يُعْبِدُني قَوْمي وقد كَثُرَت... فيهمْ أَباعِرُ ما شاؤوا وعِبْدانُ؟
(١)
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٣)
فأجابه موسى - ﷺ - بما هو دليل على اللَّه - جلَّ وعزَّ - بما خلق مما يعجز المخلوقون عن أن يأتوا بمثله فقال:
(رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤)
فتحيَّر فرعونُ ولم يَرْدُدْ جَوَاباً يَنْقُضُ به هذا القول، فقال لمن حوله: (ألَا
تَسْتَمِعُونَ).
فزاده موسى في البيان فقال: (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦)

(١) قال السَّمين:
قوله: ﴿أَنْ عَبَّدتَّ﴾ فيه أوجهٌ، أحدُها: أنها في محلِّ رفعٍ عطفَ بيان ل «تلك»، كقوله: ﴿وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ﴾ [الحجر: ٦٦]. الثاني: أنها في محلِّ نصبٍ مفعولاً مِنْ أجلِه. والثالثَ: أنها بدلٌ من «نعمةٌ». الرابع: أنها بدلٌ من «ها» في «تَمُنُّها». الخامس: أنها مجرورةٌ بباءٍ مقدرةٍ أي: بأَن عَبَّدْت. السادس: أنها خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: هي. السابعُ: أنها منصوبةٌ بإضمار أعني. والجملة مِنْ «تَمُنُّها» صفةٌ لنعمة. و «تُمُنُّ» يتعدَّى بالباء فقيل: هي محذوفةٌ أي: تمُنُّ بها، وقيل: ضَمَّنَ «تَمُنُّ» معنى تَذْكُرُ. اهـ (الدُّرُّ المصُون).


الصفحة التالية
Icon