قوله عزَّ وجلَّ: (مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (٥٤)
قيل الإستبرق الديباج الصفيق جدًّا نحو ما يعمل للكعبة والبطائن ما يلي
الأرض.
وقوله: (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ).
أي ما يجنى من ثمرهما إذا أرادوه دنا من أفواههم حتى يتناوَلوه
بإفواههم وأيديهم.
* * *
وقوله: (فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (٧٠)
أصْلُه في اللغَة خَيِّرات، والمعنى أنَّهن خَيرات الأخلاق حسان الخلق.
وقد قرئ بها - أعني بتشديد الياء.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (٧٢)
الخيام في لغَةِ العَرَبِ جَمْع خَيْمَةٍ.
والخيام شيئانِ: الخيام الهوادج والخيام البيوت.
وجاء في التفسير أن الخيمة من هذه الخيام من دُرَّةٍ مجَوَّفَةٍ.
ومعنى (مَقْصُورَاتٌ) مُخَدَّرات، قد قصرن على أزْوَاجِهِنَّ.
* * *
وقوله: (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (٧٦)
وقرئت (على رَفَارفَ خُضْرٍ وعَبَاقِرَيَّ حِسَانٍ) (١).
القراءة هي الأولى، وهذه القراءة لا مخرج لها في العربية، لأن
الجمع الذي بعد ألفه حرفان نحو مساجد ومفاتيح لا يكون فيه مثل عباقري
لأن ما جاوز الثلاثة لا يجمع بياء النسب. لو جمعت " عبقري " كان جمعه
قوله: ﴿رَفْرَفٍ﴾: الرَّفْرَفُ جمع رَفْرَفَة فهو اسمُ جنسٍ. وقيل: بل هو اسمُ جمعٍ، نقلهما معاً مكيٌّ، وهي ما تَدَلَّى من الأسِرَّة مِنْ عالي الثياب. وقال الجوهريُّ: «ثيابٌ خُضْرٌ يُتَّخَذُ منها المجالِسُ، الواحدةُ رَفْرَفة» واشتقاقُه مِنْ رَفَّ الطائرُ: أي: ارتفع في الهواء. ورَفْرَفَ بجناحَيْه: إذا نَشَرهما للطيران ورَفْرَفُ السَّحابِ هُبوبُه، ويَدُلُّ على كونه جمعاً وصفُه بالجمع. وقال الراغب: «رفيفُ الشجر: انتشارُ أغصانِه. ورَفَّ الطائرُ: نَشَرَ جناحَه يَرِفُّ بالكسرِ. ورَفَّ فَرْخَه يَرُفُّه بالضم تَفَقَّده، ثم اسْتُعير للتفَقُّدِ. ومنه» ماله حافٌّ ولا رافٌّ «، أي: مالَه مَنْ يَحُفُّه ويتفقَّدُه. والرَّفْرَفُ: المنتشِرُ من الأوراقِ. وقولُه ﴿على رَفْرَفٍ خُضْرٍ﴾: ضَرْبٌ من الثياب مُشَبَّه بالرياض. وقيل: الرَّفْرَفُ طرفُ الفُسْطاطِ والخِباءِ الواقعِ على الأرض دونَ الأَطنْابِ والأوتادِ. وذكر الحسن أنه المَخادُّ» انتهى. وقال ابن جُبير: «رياضُ الجنَّة، مِنْ رَفَّ البيتُ إذا تَنَعَّمَ وحَسُن. وعن ابن عُيَيْنة هي الزَّرابِيُّ. ونُعِت هنا بخُضْر لأنَّ اسمَ الجنسِ يُنْعَتُ بالجمعِ كقولِه: ﴿والنخل بَاسِقَاتٍ﴾ [ق: ١٠] وبالمفرِد. وحَسَّنَ جَمْعَه هنا جَمْعُ حِسان. وقرأ العامَّةُ» رَفْرَفٍ «وقرأ عثمان بن عفان ونصر ابن عاصم وعاصم والجحدري والفرقبي وغيرهم» رَفارِفَ خُضْرٍ «بالجمع وسكونِ الضاد. وعنهم أيضاً» خُضُرٍ «بضم الضاد وهو إتباعٌ للخاء. وقيل: هي لغةٌ في جمع أَفْعَلَ الصفةِ. وأُنْشد لطرفة:
٤١٩٨ أيها الفتيانُ في مَجْلِسِنا... جَرِّدُوا منها وِراداً وشُقُرْ
وقال آخر:
٤١٩٩ وما انْتَمَيْتُ إلى خُوْرٍ ولا كُسُف... ولا لئامٍ غداةَ الرَّوْع أَوْزاعِ
وقرؤوا» عباقِرِيَّ «بكسر القاف وفتحِها وتشديدِ الياءِ متوحةً/ على مَنْعِ الصرفِ. وهي مُشْكِلَةٌ؛ إذ لا مانعَ من تنوينِ ياءَيْ النسَبِ، وكأنَّ هذا القارىءَ تَوَهَّمَ كَوْنَها في مَفاعِل فمنعَها من الصرفِ. وقد رَوَى عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وجماعةٍ» وعباقِرِيٍّ «منوناً ابنُ خالويه ورُوِي عن عاصمٍ» رَفارِفٍ «بالصرف. وقد يُقال في مَنْ مَنَعَ» عباقِرِيَّ «إنَّه لما جاوزَ» رفارِفَ «الممتنعَ امتنع مُشاكلةً. وفي مَنْ صَرَفَ رفارِفَ: إنَّه لما جاوَزَ عباقِريَّاً المنصرفَ صَرَفَه للتناسُب ك ﴿سَلاسلاً وأَغْلالاً﴾ [الإِنسان: ٤] كما سيأتي.
وقرأ أبو محمد المروزي وكان نَحْوياً» خَضَّارٍ «كضَرَّاب بالتشديد. وأَفْعَلُ وفَعَّالٌ لا يُعْرَفُ.
والجمهورُ» وعَبْقِرِيٍّ «منسوب إلى عَبْقَر، تَزْعُم العربُ أنه بلدُ الجن فكلُّ ما عَظَّموه وتعجَّبوا منه قالوا: هذا عَبْقريٌّ. وفي الحديث:» فلم أرَ عَبْقَريَّاً يَفْري فَرِيَّه «والمرادُ به هنا قيل: البُسُط التي فيها صُوَرٌ وتماثيلُ. وقيل: هي الزَّرابِيُّ. وقيل: الطَّنافِسُ. وقيل: الدِّيباج. وعَبْقريّ جمع عَبْقَريَّة، يعني فيكونُ اسمَ جنسٍ، كما تقدَّم في رَفْرفَ. وقيل: هو واحدٌ دالٌّ على الجمع، ولذلك وُصِف بحسان.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).