رقوله: (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (٥٩)
احتج عليهم في البعث بالقدرة على ابتداء الخلق كما قال عزَّ وجلَّ:
(وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩).
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (٦١)
أي إن أردنا أن نخلق خلقاً غيركم لم يسبقنا سابق ولا يفوتنا ذلك.
* * *
وقوله: (وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (٦١)
أي إن أردنا أن نجعل منكم القردة والخنازير لم نسبق ولَا فَاتَنا ذَلك.
* * *
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (٦٢)
أي قد علمتم ابتداء الخلق فلم أنَكرتم البعث.
ومعنى " لَوْلَا تَذَكَّرُونَ " هلَّا تذكرون.
* * *
وقوله: (لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥)
أي لو جعلنا ما تزرعون حطاماً، أي أبطلناه حتى يكون متحطماً لا حنطة
فيه ولا شيء مما تَزْرَعُونَ.
(فَظَلْتُم تَفًكَّهُونَ).
أي تَنَدّمُون، ويجُوزُ فَظِلْتُم تفكهون - بكسر الظاء - (١)
* * *
وقوله: (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦)
أي يقولون قد غرمنا وذهب زرعنا، (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ).
* * *
وقوله: (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩)
وهي السحاب واحدته مُزْنَةٌ وجمعه مُزْن.

(١) قال السَّمين:
قوله: ﴿فَظَلْتُمْ﴾: هذه قراءةُ العامَّةِ أعني فتحَ الظاء مع لامِ واحدة. وقد تقدَّم الكلامُ عليها مستوفى في طه. وأبو حيوة وأبو بكرٍ في روايةٍ بكسرِ الظاء. وعبد الله والجحدريُّ «فظَلِلْتُمْ» على الأصل بلامَيْن، أُولاهما مكسورةٌ. ورُوي عن الجحدري فتحُها، وهي لغةٌ أيضاً.
والعامةُ «تَفَكَّهون» بالهاء، ومعناه: تَنْدَمون، وحقيقتُه: تُلْقُون الفُكاهةَ عن أَنْفسِكم، ولا تُلْقَى الفُكاهةُ إلاَّ من الخِزْيِ فهو من بابِ: تَحَرَّج وتَأَثَّم وتَحَوَّب. وقيل: تَفَكَّهون: تَعْجَبون. وقيل: تَلاومون، وقيل: تَتَفَجَّعون، وهذا تفسيرٌ باللازم.
وقرأ أبو حرام العكلي «تَفَكَّنون» بالنون مثل تَتَنَدَّمون. قال ابن خالويه: «تَفَكَّهَ تَعَجَّب، وتَفَكَّن تندَّمَ». وفي الحديث: «مَثَلُ العالِمِ مَثَلُ الحَمَّة يَأْتيها البُعَداء ويترُكها القُرَباء. فبيناهُمْ إذ غار ماؤها فانتفع بها قومٌ وبقي قومٌ يَتَفَكَّنون» أي: يَتَنَدَّمون.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).


الصفحة التالية
Icon