معنى (سَوَّلَ لَهُمْ) زَيَّنَ لَهُمْ
(وَأمْلَى لهم)، أملى اللَّه لهم كما قال:
(إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا) معناه إنما نؤخرهم.
وقد قرئت (الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأُمْلِي لَهُمْ) على الإخبار عَنِ اللَّه عزَّ وجلَّ، المعنى وأنَا أُمْلِي.
وقُرئت (وَأُمْلِيَ لَهُمْ) بفتح الياء على ما لم يسم فاعله (١).
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (٢٦)
المعنى - والله أعلم - الأمر ذلك أي ذلك الِإضلال بقولهم للذين
كرهوا ما نزل اللَّه، وجاء في التفسير أنهم اليهود، قالوا سنطيعكم في بعض
الأمر، أي سنطيعكم في التظاهر على عداوة النبي - ﷺ -
(وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَسْرَارَهُمْ).
و (إِسْرَارَهُمْ) قرئ بهما جميعاً، فمن قرأ (أَسْرَارَهُمْ) - بالفتح - فهُو جمعُ سِرٍّ
وأسرار، مثل حمل وأحمال، ومن قرأ (إِسْرَارَهُمْ) فهو مصدر أسْرَرْتً إسرَاراً.
* * *
وقوله: (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (٢٧)
يفعلون بهم ذلك في نار جهنم - واللَّه أعلم - ويكون المعنى فكيف
يكون حالهم إذا توفتهم الملائكة وهم يضربون وجوههم وأدبَارَهم.
* * *
قوله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (٢٨)
المعنى - واللَّه أعلم - ذلك جزاؤهم بأنهم اتبعوا الشيء الذي أسخط
اللَّه وكرهوا رضوانه، أي اتبعو مَن خالف النبي - ﷺ - ومن خالف الشريعة وكرهوا الِإيمان بالنبي - ﷺ - واتباع شريعته.
(فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ).

(١) قال السَّمين:
قوله: ﴿الشيطان سَوَّلَ﴾: هذه الجملةُ خبرُ ﴿إِنَّ الذين ارتدوا﴾. وقد تقدَّم الكلامُ على «سَوَّل» معنًى واشتقاقاً. وقال الزمخشري هنا: «وقد اشتقَّه من السُّؤْل مَنْ لا عِلْمَ له بالتصريفِ والاشتقاقِ جميعاً» كأنَّه يُشير إلى ما قاله ابن بحر: مِنْ أنَّ المعنى: أعطاهم سُؤْلَهم. ووجهُ الغلطِ فيه أنَّ مادةَ السُّؤْلِ من السؤال بالهمز، ومادةَ هذا بالواوِ فافترقا، فلو كان على ما قيل لقيل: سَأَّل بتشديد الهمزة لا بالواو. وفيما قاله الزمخشريُّ نَظَرٌ؛ لأن السؤالَ له مادتان: سَأَل بالهمز، وسال بالألفِ المنقلبةِ عن واوٍ، وعليه قراءةُ «سال سايل» وقوله:
٤٠٦٧ سالَتْ هُذَيْلٌ رسولَ الله فاحِشةً... ضَلَّتْ هُذَيْلٌ بما سالَتْ ولم تُصِبِ
وقد تقدَّم هذا في البقرةِ مُسْتوفى.
قوله: «وأَمْلَى» العامَّةُ على «أَمْلَى» مبنياً للفاعل، وهو ضمير الشيطان. وقيل: هو للباري تعالَى. قال أبو البقاء: «على الأول يكونُ معطوفاً على الخبر، وعلى الثاني يكونُ مُسْتأنفاً». ولا يَلْزَمُ ما قاله بل هو معطوفٌ على الخبر في كلا التقديرَيْن، أخبر عنهم بهذا وبهذا. وقرأ أبو عمروٍ في آخرين «أُمْلِيَ» مبنياً للمفعول، والقائمُ مَقامَ الفاعلِ الجارُّ. وقيل: القائم مَقامَه ضميرُ الشيطان، ذكره أبو البقاء، ولا معنى لذلك. وقرأ يَعْقُوبُ وسلام ومجاهد/ «وأُمْلِيْ» بضمِ الهمزةِ وكسرِ اللام وسكونِ الياءِ. فاحتملَتْ وجهَيْن، أحدُهما: أَنْ يكونَ مضارعاً مُسْنداً لضمير المتكلم أي: وأُمْلِي أنا لهم، وأَنْ يكونَ ماضياً كقراءة أبي عمروٍ سُكِّنَتْ ياؤه تخفيفاً. وقد مضى منه جملةٌ.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).


الصفحة التالية
Icon