وقوله: (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (٤٣)
(تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ)
معناه تَغشاهم ذِلَّةٌ.
(وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (٤٣)
يعنى به في الدنيا.
* * *
وقوله: (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (٤٤)
ومثله: (ذَرْني ومن خَلَقْتُ وَحِيداً)، معناه لا تَشْغَلْ قَلْبَكَ بِهِ، كِلْهُ إليَّ
فإني أُجازيه.
ومثله قول الرجل: ذرني وإياه. وليس أنه مَنَعه بِهِ ولكن تأويله
كِلْهُ إليَّ فَإنِي أَكْفِيكَ أَمْرَه.
* * *
وقوله: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨)
يعني: يونس عليه السلام.
* * *
(إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ)
أي مملوء غَمًّا وكرباً.
* * *
وقوله: (لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩)
والمعنى أنه قد نبذ بالعراء وهو غير مذموم، ويدل على ذلك أن النعمة
قد شَمِلته.
* * *
وقوله: (فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠)
هذا تخليصٌ له من الذَّم، والعراء المكان الخالي
قال الشاعر:
رَفَعْتُ رِجلاً لا أَخافُ عِثارَها... ونَبَذْتُ بالبَلَدِ العَراء ِثيابي
* * *
قوله عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١)
وقرئت (ليزهقونك) - بالهاء - ولكن هذه تخالف المصحف أعني الهاء
والقراءة على ما وافق المصحف (١).
وهذه الآية تحتاج إلى فصل إبانةٍ في اللغة
فأمَّا ما رُوِيَ في التفسير

(١) قال السَّمين:
قوله: ﴿لَيُزْلِقُونَكَ﴾: قرأها نافعٌ بفتح الياءِ، والباقون بضمِّها. فأمَّا قراءةُ الجماعةِ فمِنْ أَزْلَقَه، أي: أَزَلَّ رِجْلَه، فالتعديةُ بالهمزةِ مِنْ زَلَق يَزْلِقُ. وأمَّا قراءةُ نافع فالتعديةُ بالحركةِ يقال: زَلِقَ بالكسر وزَلَقْتُه بالفتح. ونظيرُه: شَتِرَتْ عَيْنُه بالكسرِ، وشَتَرها اللَّهُ بالفتح، وقد تقدَّم لذلك أخواتٌ. وقيل: زَلَقه وأَزْلَقه بمعنى واحدٍ. ومعنى الآية في الاصابةِ بالعينِ. وفي التفسير قصةٌ. والباءُ: إمَّا للتعديةِ كالداخلةِ على الآلةِ، أي: جعلوا أبصارهم كالآلةِ المُزْلِقَةِ لك، كعَمِلْتُ بالقَدوم، وإمَّا للسببيةِ، أي: بسبب عيونِهم.
قوله: ﴿لَمَّا سَمِعُواْ الذكر﴾ مَنْ جَعَلْها ظرفيةً جَعَلها منصوبةً ب «يُزْلِقُونك»، ومَنْ جعلها حرفاً جَعَلَ جوابَها محذوفاً للدلالةِ، أي: لَمَّا سَمِعوا الذِّكْرَ كادوا يُزْلِقونك، ومَنْ جَوَّزَ تقديمَ الجوابِ قال: هو هنا متقدِّمٌ.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).


الصفحة التالية
Icon