فكان وَدّ لكلب، وكان سُواع لِهَمَدَان، وكان يَغُوث لمذحج، وكان نَسْر لحمَير
وقرئت (يَغُوثاً وَيَعُوقاً).
ويغوث ويعوق لا ينْصَرِفَان لأنَّهُمَا في وزن الفعل وهما معرفتان.
والقراءة التي عليها القراء والمصحف ترك الصرف.
وليس في يغوث ويعوق ألف في الكتاب، ولذلك لا ينبغي أن يقرأ: إلا بترك الصرف.
والذين صرفوا جعلوا هذين الاسمين الأغلب عليهما كما الصرف إذ كان أصل الأسماء عندهم الصرْفَ، أَو جعلوهما نَكِرةً وإن كانا معرفتين، فكأنهم قالوا: ولا تذرون صنماً من أصنامكم، ولا ينبغي أن يقرأ بها لمخالفتها المصحف (١).
* * *
قوله ت (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (٢٥)
ويقرأ (مما خطاياهم)، وخطيئة يجمع على خطايا. وخطيئات.
وقَد فسَّرنَا ذلك فيما سلف من الكتاب.
* * *
(وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (٢٦)
(دَيَّارًا) في معنى أحد. يُقَال ما في الدار أحَدٌ وما بها دَيَّارٌ.
وأصْلهَا دَيْوَار، [فَيْعَال] فقلبت الواو ياء وأدغمت إحداهما في الأخرى.
وإنما دعا عليهم نوح عليه السلام لأنَّ اللَّه جَل - وَعَلَا أوحى إليه (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ).
* * *
قوله تعالى: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (٢٨)
(وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا)
قالوا بيتي مَسْجداً، وإن شئت، أسكنت الياء وإن شئت فتحتها.
* * *
وقوله: (وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا).
معناه إلا تباراً، والتبار الهلاك، وكل شيء أهلك فقد تبر، ولذلك سُمِّيَ
كلُّ مكَسَّرٍ تبرا.
قوله: ﴿وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً﴾: يجوزُ أَنْ يكونَ مِنْ عَطْفِ الخاص على العام إنْ قيل: إنَّ هذه الأسماءَ لأصنامٍ، وأن لا يكونَ إنْ قيل: إنها أسماءُ رجالٍ صالحينَ على ما ذُكر في التفسير. وقرأ نافع «وُدّاً» بضم الواوِ، والباقون بفتحها، وأُنْشِدَ بالوَجْهَيْن قولُ الشاعر:
٤٣٤٤ حَيَّاكَ وَدٌّ فإنَّا لا يَحِلُّ لنا... لَهْوُ النساءِ وإنَّ الدين قد عزما
وقول الآخر:
٤٣٤٥ فحيَّاكِ وَدٌّ مِنْ هُداكِ لفِتْيَةٍ... وخُوْصٍ بأعلى ذي فُضالةَ مُنْجِدِ
قوله: ﴿وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ﴾ قرأهما العامَّةُ بغير تنوين. فإن كانا عربيَّيْن فالمنعُ من الصَرْف للعلميَّةِ والوزن، وإن كانا أعجميَّيْن فللعلميَّةِ والعُجْمة. وقرأ الأعمش: «ولا يَغُوْثاً ويَعُوْقاً» مصورفَيْن. قال ابن عطية: «وذلك وهمٌ: لأنَّ التعريفَ لازمٌ ووزنَ الفعل» انتهى. وليس بوهمٍ لأمرَيْن، أحدهما: أنه صَرَفَهما للتناسُبِ، إذ قبله اسمان منصرفان، وبعده اسمٌ منصرفٌ، كما صُرِفَ «سلاسل». والثاني: أنه جاء على لغةِ مَنْ يَصْرِفُ غيرَ المنصرِف مطلقاً. وهي لغةٌ حكاها الكسائيُّ.
ونقل أبو الفضل الصَّرْفَ فيهما عن الأشهبِ العُقَيْليِّ ثم قال: «جَعَلهما فَعُولاً؛ فلذلك صرفهما، فأمَّا في العامَّة فإنهما صفتان من الغَوْث والعَوْق». قلت: وهذا كلامٌ مُشْكِلٌ. أمَّا قولُه: «فَعُولاً» فليس بصحيحٍ، إذ مادةُ «يغث» و «يعق» مفقودةٌ. وأمَّا قولُه: «صفتان من الغَوْث والعَوْق» فليس في الصفاتِ ولا في الأسماءِ «يَفْعُل» والصحيحُ ما قَدَّمْتُه. وقال الزمخشري: «وهذه قراءةٌ مُشْكِلة؛ لأنهما إنْ كانا عربيَّيْنِ أو أعجميَّيْنِ ففيهما مَنْعُ الصَّرْفِ، ولعله قَصَدَ الازدواجَ فصرَفهما. لمصادفتِه أخواتِهما منصرفاتٍ: وَدَّاً وسُوعاً ونَسْراً». قال الشيخ: «كأنه لم يَطَّلعْ على أنَّ صَرْفَ ما لا ينصرفُ لغةٌ».
اهـ (الدُّرُّ المصُون).