أي على سقر تِسْعَةَ عَشَرَ مَلَكاً، وَوَصَفَهُم اللَّه في موضع آخر فقال:
(عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٦).
الذي حكاه البَصْرِيون تسعَةَ عَشر بفتح العين في عَشَر.
وقد قرئت بتسكين العَيْنِ، والقراءة بفتحها، وإنما أسكنها من أسكنها لكثرة الحركات، وذلك أَنَهمَا اسمَانِ جُعِلاَ اسماً وَاحِداً، ولذلك بُنِيَا على الفتح، وقرأ بَعْضهم تسعَةُ عَشَر فأعربت على الأصل، وذلك قليل في النحو، والأجود تِسعةَ عَشَر على البناء على الفتح، وفيها وجة آخر
" تِسْعَة أعْشرٍ "، وهي شاذَّة، كأنَّها على
جمع فعيل وأَفْغل، مثل يَمِين وأَيْمُن (١).
* * *
وقوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (٣١)
(وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا).
أَيْ مِحْنَةً، لأن بعضهم قال بعضنا يكفي هؤلاء.
وقوله: (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ).
أي يعلمون أن ما أَتى به النبي عليه السلام موَافِقَاً لما في كتبهم.
(وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا).
لأنهم كلَّمَا صَدقوا بما يَأتي في كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ زاد إيمانهم.
(وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ)
أيْ لَا يَشكونَ.
وقوله: (وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ).
جاء في التفسير أن النار في الدنيا تذكر بالنار في الآخرة.
* * *
وقوله: (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣)
ويقرأ (إِذْ دَبَرَ)، وكلاهما جَيِّدٌ في العربية.
يقال: دبر الليل وَأدْبَرَ، وكذلك قَبَل الليل وَأقْبَلَ.
وقد قرئت أيضاً (إِذَا أَدْبَرَ) (وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ).
بإثبات الألف فيهما.
قوله: ﴿إِذْ أَدْبَرَ﴾: قرأ نافعٌ وحمزةُ وحفصٌ «إذ» ظرفاً لِما مضى مِنْ الزمانِ، «أَدْبَرَ» بزنةِ أَكْرَمَ. والباقون «إذا» ظرفاً لِما يُسْتقبل، «دَبَرَ» بزنةِ ضَرَبَ، والرسمُ محتملٌ لكلتَيْهما، فالصورةُ الخطيَّةُ لا تختلفُ. واختار أبو عبيد قراءةَ «إذا» قال: لأنَّ بعدَه «إذا أَسْفَرَ» قال: «وكذلك هي في حرفِ عبدِ الله» قلت: يعني أنَّه مكتوبٌ بألفَيْنِ بعد الذالِ أحدُهما ألفُ «إذا» والأخرى همزةُ «أَدْبَرَ». واختار ابنُ عباس أيضاً «إذا» ويُحْكى أنَّه لَمَّا سَمِعَ «أَدْبَرَ» قال: «إنما يُدْبِر ظهرُ البعير».
واختلفوا: هل دَبَر وأَدْبَر، بمعنى أم لا؟ فقيل: هما بمعنىً واحدٍ/ يقال: دَبَر الليلُ والنهارُ وأَدْبَرَ، وقَبَلَ وأَقْبل. ومنه قولُهم «أمسٌ الدابرُ» فهذا مِنْ دَبَرَ، وأمسٌ المُدْبر قال:
٤٣٩٤...........
ذهبوا كأمس الدابِر
وأمَّا أَدْبَرَ الراكبُ وأَقْبل فرباعيٌّ لا غيرُ. هذا قولُ الفراء والزجاج. وقال يونس: «دَبَرَ انقضى، وأَدْبَرَ تَوَلَّى ففرَّق بينهما. وقال الزمخشري:» ودَبَرَ بمعنى أَدْبَرَ كقَبَل بمعنى أَقْبَلَ. قيل: ومنه صاروا كأمسٍ الدابرِ، وقيل: هو من دَبَرَ الليلُ النهارَ إذا خَلَفَه «.
وقرأ العامَّةُ» أسْفَرَ «بالألف، وعيسى بنُ الفضل وابن السَّمَيْفَع» سَفَرَ «ثلاثياً». والمعنى: طَرَحَ الظلمةَ عن وجهِه، على وجهِ الاستعارةِ. اهـ (الدُّرُّ المصُون).