وكذلك (فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا)
فأما (المدبرات أمراً) فالملائكةً، وقيل ((فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا) الملائكة تسبق الشياطينَ بالوَحْي إلى الأنبياء
كل هذا جاء في التفسير واللَّه أعلم بحقيقة ذلك.
* * *
وقوله: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧)
ترجف تتحرك حركة شديدة، وقيل: الراجفة النفخة الأولى التي تموت
معها جميع الخلق.
* * *
وَقَوْلَهُ: (تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧)
قيل النفخة الثانية التي تبعث معها الخلق، وهو كقوله تعالى:
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨).
و (يَوْمَ) منصوب على معنى قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ.
ومعنى واجفة شديدة الاضطراب.
* * *
(أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (٩)
ذليلة.
وجواب والنازعات - واللَّه أعلم - محذوفٌ، والمعنى كأنَّه أَقْسَمَ فقال:
وهَذِه الأشْياء لَتُبْعثنَّ، والدلِيلُ عَلَى ذَلكَ قوله:
* * *
(يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (١٠)
أي إنا نرد في الحياة بعد الموت إذا كنا عظاماً نَخِرة، أي نُردُّ ونبعث.
ويقال: رجع فلان في حافرته إذا رجع في الطريق الذي جاء فيه.
(أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (١١)
وقرئت (نَخِرَةً) (١)، و (نَاخِرَةً) أكثر في القراءة وأجود لشبه آخِرِ الآي بعضها ببعض، الحافرة

(١) قال السَّمين:
قوله: ﴿نَّخِرَةً﴾: قرأ الأخَوان وأبو بكر «ناخِرَة» بألفٍ، والباقون «نَخِرَة» بدونِها وهما كحاذِر وحَذِر، فاعِل لمَنْ صَدرَ منه الفِعْلُ، وفَعِل لِمَنْ كان فيه غَريزةً، أو كالغَريزة. وقيل: ناخِرة ونَخِرة بمعنى بالية. وقيل: ناخِرَة، أي: صارَتِ الريحُ تَنْخِرُ فيها، أي: تُصَوِّتُ، ونَخِرَة، أي: تَنْخِرُ فيها دائماً. وقيل: ناخِرَة: بالِية، ونَخِرَة: متآكلة. وعن أبي عمروٍ: الناخِرة: التي لم تَنْخَرْ بعدُ، والنَّخِرَةُ: البالية. وقيل: الناخِرَةُ: المُصَوِّتَةُ فيها الريحُ، والنَّخِرةُ: الباليةُ التي تَعَفَّنَتْ. قال الزمخشري: «يُقال: نَخِر العظمُ، فهو نَخِرٌ وناخِرٌ، كقولِك: طَمِعَ فهو طَمعٌ وطامعٌ، وفَعِل أَبْلَغُ مِنْ فاعِل، وقد قُرِىء بها، وهو البالي الأجوفُ الذي تَمُرُّ فيه الرِّيحُ فيُسْمَعُ له نَخِير». قلت: ومنه قولُه:
٤٤٨٤ وأَخْلَيْتُها مِنْ مُخِّها فكأنَّها... قواريرُ في أجوافِها الريحُ تَنْخِرُ
وقال الراجزُ لفَرَسه:
٤٤٨٥ أَقْدِمْ نَجاحُ إنها الأَساوِرَهْ... ولا يَهْوْلَنَّكَ رَحْلٌ نادِرَهْ
فإنما قَصْرُك تُرْبُ السَّاهِرَهْ... ثم تعودُ بعدها في الحافِرَهْ
مِنْ بعدِ ما كنتَ عِظاماً ناخِرَهْ... ونُخْرَةُ الرِّيْح بضمِّ النون: شِدَّةُ هبوبِها، والنُّخْرَةُ أيضاً: مُقَدَّمُ أَنْفِ الفَرَسِ والحمارِ والخِنْزير. يقال: هَشَم نُخْرَتَه، أي: مُقَدَّمَ أَنْفِه. و «إذا» منصوبٌ بمضمرٍ، أي: إذا كُنَّا كذا نُرَدُّ ونُبْعَثُ.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).


الصفحة التالية
Icon