لأنهم قالوا: (يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦).
فقال: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (١) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢).
وقال في هذا الموضع
(وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣)
قد فسرنا ذلك فِي سُورَةِ والنجِمْ.
* * *
(وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤)
(بِظَنِينٍ)
ويقرأ (بِضَنِينٍ) فمن قَرَأ (بِظَنِينٍ) فمعناه ما هو على الغيب بِمُتهَم وهو الثقة
فيما أداه عن اللَّه - جلَّ وعزَّ -، يقال ظننت زيداً في معنى اتهمت زيداً، ومن قرأ (بِضَنِينٍ) فمعناه ما هو على الغيب ببخيل، أي هو - ﷺ - يؤدي عن الله وُيعَلِّمُ كتابَ اللَّه (١).
* * *
(فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦)
معناه فأيَّ طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي بينتُ لَكُمْ.
* * *
(لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨)
أي الاستقامة واضحة لكم، فمن شاء أخذ في طريق الحقِّ والقصد وهو
الإيمان باللَّهِ عزَّ وجلَّ ورسوله.
ثم أعلمهم أن المشيئَةَ في التوفيق إليه، وأنهم لا يقدرون على ذَلِك
إلا بمشيئة اللَّه وتوفيقه فقال:
* * *
(وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)
ودليل ذلك أيضاً: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ).

(١) قال السَّمين:
قوله: ﴿بِضَنِينٍ﴾: قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالظاء بمعنى مُتَّهم، مِنْ ظنَّ بمعنى اتَّهم فيتعدَّى لواحدٍ. وقيل: معناه بضعيفِ القوةِ عن التبليغ مِنْ قولِهم: «بئرٌ ظَنُوْنٌ»، أي: قليلةُ الماءِ. وفي مصحفِ عبد الله كذلك، والباقون بالضاد بمعنى: ببخيلٍ بما يأتيه من قِبَلِ ربِّه، إلاَّ أنَّ الطبريَّ نَقَلَ أنَّ الضادَ خطوطُ المصاحفِ كلِّها، وليس كذلك لِما مرَّ، وكان رسولُ الله ﷺ يقرأ بها، وهذا دليلٌ على التمييز بين الحرفين، خِلافاً لمَنْ يقول: إنه لو وقع أحدُهما مَوْقِعَ الآخرِ لجاز، لِعُسْرِ معرفتِه. وقد شَنَّعَ الزمخشري على مَنْ يقول ذلك، وذكر بعضَ المخارج وبعضَ الصفاتِ، بما لا يَليق التطويلُ فيه. و «على الغيب» متعلقٌ ب «ظَنِين» أو «بضَنِين»
اهـ (الدُّرُّ المصُون).


الصفحة التالية
Icon