وقوله عزَّ وجلَّ: (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣)
أساطير أباطيل، واحدها أسطورة مثل أحدوثة وَأحادِيث.
* * *
وقوله: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)
(كَلَّا)
وتفسيرها تفسير التي قبلها.
(بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ) بإدغام اللام في الراء وتفخيم الألف.
وقد قرئت بل ران - بإمالة الألف والراء إلى الكسر.
وقرئت بلْ ران بإظهار اللام والإدغام، والِإدغام أجود لقرب اللام من الراء، ولغلبة الراء على اللام.
وإظهار اللام جائز إلا أن اللام من كلمة، والراء من كلمة أخرى.
وران بمعنى غطى عَلَى قُلُوبِهِمْ، يقال: ران على قلبه الذنب يَرينُ رَيْناً إذا غشي على قلبه.
ويقال غان على قلبه يغينُ غَيْناً.
والغَيْنُ كالغيم الرقيق، والريْن كالصدأ يغشى على القلب.
* * *
وقوله جل ثناؤه: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)
وفي هذه الآية دليل على أن الله يُرَى في الآخرة، لولا ذلك لما كان في
هذه الآية فائدة، ولا [خسَّت] منزلة الكفار بأنهم يحجبون عن اللَّه - عزَّ وجلَّ -
وقال تعالى في المؤمنين: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣).
فأعلم اللَّه عزَّ وجلَّ أن المؤمنين ينظرون إلى اللَّه، وأن الكفارَ يُحْجَبُونَ عَنْه
* * *
(ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (١٦)
ثم بعد [حجبهم] عن الله يدخلِون النار وَلاَ يخرجُونَ عنها خَالِدِين فيها.
* * *
(ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٧)
أي كنتم تكذبون بالبعث والجنة والنَّارِ. ثم أَعْلَمَ - عزَّ وجلَّ - أين محل
كتاب الأبرار وما لهم من النعيم فرفع كتابهم على قدر مرتبتهم كما سَفَل
وخسَّس كتاب الفجار فقال:
* * *
(كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨)
أَي أعلى الأمكنة (١).

(١) قال السَّمين:
قوله: ﴿لَفِي عِلِّيِّينَ﴾: هو خبر «إنَّ». وقال ابنُ عطية هنا كما قال هناك، ويُرَدُّ عليه بما تقدَّم. وعِلِّيُّون جمع عِلِّيّ، أو هو اسمُ مكانٍ في أعلى الجنة، وجَرَى مَجْرَى جمع العقلاء فرُفع بالواوِ ونُصِبَ وجُرَّ بالياء مع فوات شرطِ العقل. وقال أبو البقاء: «واحدُهم عِلِّيّ وهو الملك. وقيل: هي صيغةُ الجمع مثلَ عشرين» ثم ذكر نحواً مِمَّا ذَكرَهُ في «سِجِّين» مِنْ الحَذْفِ المتقدِّم. وقال الزمخشري: «عِلِّيُّون: عَلَمٌ لديوانِ الخبر الذي دُوِّن فيه كلُّ ما عَمِلَتْه الملائكةُ وصُلَحاءُ الثقلَيْنِ، منقولٌ مِنْ جَمْع» عِلِّيّ «فِعِّيل من العُلُو ك» سِجِّين «مِنْ السَّجْن»، سُميِّ بذلك: إمَّا لأنه سببُ الارتفاعِ، وإمَّا لأنه مرفوعٌ في السماءِ السابعةِ «. قلت: وتلك الأقوالُ الماضيةُ في» سِجِّين «كلُّها عائدةٌ هنا.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).


الصفحة التالية
Icon