قرأ: (والريْحَانُ) عطف على (الْحَبُّ) ويكون المعنى فيهما فاكهة فيهما الحب ذو العصف وفيهما الريحان، فيكون الريحان ههنا الريحان الذي يشم، ويكون
أيضاً ههنا الرزق.
فذكر اللَّه - عزَّ وجلَّ - في هذه السورة ما يدل على وحدانيته من خلق
الِإنسان وتعليم البيان ومن خلق الشمسِ والقمر والسماء والأرض ثم خاطب
الِإنس والجن فقال:
* * *
(فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٣)
أي: فَبِأَيِّ نِعَمِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ من هذه الأشياء المذكورة، لأنها كلها منعم
بها عليكم في دلالتها إياكم على وحدانيته وفي رزقه إياكم ما به قوامكم
والوصلة إلى حياتكم، والآلاء واحدها أَلَى وَإِلْيٌ (١)، وكل ما في السورة من قوله (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) فمعناه على ما فسَّرْناه، فَبِأَيِّ نِعَمِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١).
* * *
قوله عزَّ وجلَّ: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤)
وقال في موضع آخر: (إنَا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ)
وقال: (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ)
وقال: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ).
وهذه الألفاظ التي قال الله عزَّ وجلَّ إنه خلق الِإنسان منها مختلفة
اللفظ وهي في المعنى راجعة إلى أصل وَاحدٍ.
فأصل الطين التراب.
فأعلم اللَّه - عزَّ وجلَّ - أنه خلق آدم من تراب جُعِلَ طيناً ثم انتقل فصار
كالْحمَأ ثم انتقل فصار صَلْصَالًا كالْفَخار، والصلصال اليابس، فهذا كله أصله التراب وليس فيه شيء ينقض بعضه بعضاًء وإنما شرحنا هذا لأن قوماً من
قوله: ﴿آلآءَ الله﴾ أي نِعَمه، وهو جمعٌ مفردُه» إلْيٌ «بكسر الهمزة وسكونِ اللام كحِمْل وأحمال، أو» أُلْي «بضم الهمزة وسكون اللام كقُفل وأقفال، أو» إلَى «بكسرِ الهمزة وفتح اللام كضِلَع وأضلاع وعِنب وأعناب، أو» أَلَى «بفتحها كقفا وأقفاء، قال الأعشى:
٢٢٢٨... أبيضُ لا يَرْهَبُ الهُزال ولا
يقطعُ رَحْمي ولا يَخُونُ إلى... يُنشد بكسر الهمزة وهو المشهور وبفتحها ومثله» الآناء «جمع إنْي أو أُنْي أو إنَى أو أَنَى. وقال الأخفش:» إنْوٌ «. والآناء: الأوقات كقوله: ﴿وَمِنْ آنَآءِ الليل﴾ [طه: ١٣٠]. اهـ (الدُّرُّ المصُون).