كفر، ومنه ما ذنب صغير، وكذلك الهدي منه ما هو الإسلام، ومنه ما هو الإسلام، ومنه ما هو رفيق الورع، فكل من رغب عن منزلة من الهدى إلى ضدها من الضلال، فقد اشترى ذلك الضلال بما يقابله من الهدي لكن منه ما يستحق به النار كالشرك، وكالكبائر، ومنه ما هو كتجاف عنه كالصغائر، فإذا ثبت ذلك، فقول من قال: عنى به الذين أخلوا بالهدي الذي جعله الله لهم بالفطرة، وقول مجاهد، إنه عنى به الذين آمنوا ثم كفروا، وقول قتادة: استحبوا الضلالة على الهجى، وقول من قال: اشتروا النار بالجنة لا اختلاف بينهم إلا باختلاف النظرات فقط.
وكذا قول من قال: من التزم فعلاً من الخيرات ثم أخل به فقد اشترى الضلالة بالهدى، ولما استعمل في ذلك المشاراة قال تعالى: ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ﴾ والربح والخسران ينسبان مرة إلى صاحب السلعة، ومرة إلى السلعة، ومرة إلى الصفقة، إذ لا اشتباه فيه، ونحوه قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ ونفي أنهم كانوا مهتدين أي طالبين للهدى تنبيهاً أنهم لو طلبوع لوجدوه.
قوله - عز وجل - ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ﴾ الآية: (١٧) - سورة البقرة.
التمثيل: تصوير الخفي بالظاهر، وأصله من مثل إذا انتصب، والتمثال للشيء المصور، وسمي الوصف مثلاً، إذ هو مثال للموصوف يدل عليه كالمثال في دلالته على ما هو مثال له، والمستوقد: طالب الوقود وأخذه، وقد يقال للموقد للمجيب مستجب، والنار حرارة مخصوصة والنور والضياء وأحدهما مشتق من الآخر من حيث إنه قل ما ينفك أحدهما عن الآخر، ولهاذ قال: ﴿نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ فاستعمل فيه الاقتباس الذي هو للنار، ويقال: أضاءت الشيء فضاء وأضاء والأظهر في الآية أن يكون متعدياً لإدخال حرف التأنيث فيه والآية مثل ضربه الله لمن آتاه ضرباً من الهداية والمعارف النفسية أو البدنية أو الخارجة، فأضاعه ولم يتوصل به إلى النعيم الأبد فإذا قول من قال ذلك هو فيمن آثر الضلالة على الهدى المجعول له بالفطرة، وقول من قال: هو في الذين آمنوا ثم كفروا، وقول من قال: هو فيمن أظهر الإيمان نفاقاً منه وحقناً لدمه، كل ذلك داخل في عمومه، وكذا قول من قال إنه يعني من لم تصح له أحوال الإرادة، فارتقى منها بالدعوى إلى أحوال المحبة، فأذهب الله عنه ما جعل له من النور عبد الإرادة، فبقي متحيراً في حال الدعوى، وقد نبه تعالى بتشبيههم بمستوقد نار أضيع نورها على حيرتهم أو نكسهم فيما أضاءه من الهدى، وقوله: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ الأظهر أن يكون ذلك راجعاً إلى المشبه الذي هو في قوله: " مثلهم " دون المشبه به الذي هو


الصفحة التالية
Icon