فسقى ديارك غير مفسدها...
صوب الربيع وديمة تهمى
وأصاب السهم إذا توجه نحو الرمية على الصواب، وقد شبه العقل والقرآن بل العلوم كلها بالمطر والماء من حيث أنه سبب الحياة الأبدية، كما أن الماء سبب الحياة الدنيوية والسماء في هذا الموضوع يجوز أن يكون السحاب وأن يكون المطر، من فيه للتبغيض، وقوله " فيه ظلمات " يقتضي معنى اللصطحاب، فلا فرق بين أن يقال: صيب فيه ظلمة ورعد - وأما الكلام في مائية الرعد والبرق فليس يليق بهذا الموضع، والصاعقة يستعمل في كل هائل عظيم من مرئي ومسموع، وإنما قال: " أو كصيب "، لأنه من حيث أنه يدل على أحد الشيئين، ويستعمل في الإباحة والتخيير، وفيه تنبيه على أنه إن شبه بأحدهما فصواب، وإن شبه بهما فصواب، وهذا المعنى في لفظه أو دون الواو، فإن قيل كيف وجه العطف في ذلك وقد قال في الأول ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ ولا يليق أن يقال بعده.
" أو كصيب "؟ قيل: قد أجيب عن ذلك بانه أريد أو كاهل صيب من السماء، وقيل: إن ذلك عطف على المعنى وذاك أن التشبيه تارة يؤتي به مطابقاً للمشبه في اللفظ، وتارة يؤتي به على ما يقتضيه المعنى دون اللفظ وعلى ذلك قوله تعالى: ﴿مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ ومعناه كحرث قوم ظلموا أنفسهم أصابته ريح، فروعي فيه المعنى دون اللفظ، وعلى ذلك قول الشاعر:
فلابنة حطان بن عوف منازل...
كما رقش العنوان في الرق كاتب
وتقديره: كعنوان رقشه الكاتب، وهذا النوع من التشبيه يقال له: التشبيه الملقف، والآية تأولت على وجهين: أحدهما أنه شبه حال المتحرين الذين اشتروا الضلالة بالهدى بمن حصل في ليلة مطيرة ومظلمة راعدة بارقة يخاف من أهوالها وصاعقتها ويسد أذنه خوفاً من أن يصعق ويكون هذا في شغل الكلام بالمشبه به ووصفه بما يعظم من غير أن يكون في تفاصيل صفة المشبه به ما يرجع إلى المشبه طريقة العرب على ذلك قول لبيد.
أفتلك أم وحشية مسبوعة...
خذلت وهادية الصوار قوامها


الصفحة التالية
Icon