عن أكل الصالحين تنزل الرحمة تنبيهاً أنه لا يتناول إلا إذا اشتد به الأمر، ووجب عليه الأكل إمساكاً لرمقه.
ألا ترى أن كثيراً من المحظورات يصير مباحاً عند الضرورات بل ربما يصير عليه من الواجبات.
إن قيل: ما الفرق بين قوله: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ﴾ وبين قوله ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ قيل في قوله ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ إيجاب العبادة بواسطة رؤية نعمه التي بها تربيتهم وقوامهم، وفي قوله: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ إيجاب عبادته بمراعاته عز وجل من غير واسطة وعلى ذلك قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ﴾ وقوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ﴾ فحيث ذكر الناس ذكر معه الرب، وحيث ذكر الإيمان ذكر الله - لما تقدم وأما الخلق فتقدير الأعراض الجسمانية وإيجادها، وقد يقال مفيداً للتقدير من غير إيجاد نحو قوله الشاعر:
وأراك تفري ما خلقت....
وبعض القوم يخلق ثم لا يفري
واستعمل الخلق في الأجسام والخلق في القوى والأفعال، وجعل " خلقت " للتكوين، وأخلقت للإفساد، نحو فريت، وأفريت، وذلك نحو " أخلقت الثوب " فخلق وأخلق، ولما كان الشيء الحلق كثيراً ما يلين قبل حجر أخلق و " الصخرة خلقاء " أي " ملساء "، ومن أجل أن " الخلق لا يستعمل إلا في إيجاد الأجسام وأعراضها امتنع قوم من إطلاق الخلق على القرآن، فراعوا فيه هذا الوجه دون الوجه الآخر، قالوا: ولا يكاد يقال في وصف الكلام مخلوق ومختلق إلا إذا أريد به المنقول المفتعل.
وعلى هذا قال تعالى حكاية عن الكفار في وصفه ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ﴾ ولا يكاد يستعمل الخالق مطلقاً إلا في وصف الله تعالى.
وقيل في الجملة: يستعمل في المتقدم لكن ذلك على أربعة أوجه تقدم بالزمان نحو آدم قبل نوح عليهما السلام، وتقدم بالذات وهو في كل شيئين متى توهمت ارتفاع أحدهما ارتفع معه الآخر، وإذا توهمت ارتفاع الآخر لم يرتفع معه الأول، كالحياة مع العلم، وتقدم بالشرف، نحو تقدم الأمير للحاجب، وبهذا النظر استعمل العتيق في الشريف وإن كان موضوعه لما تقدم زمانه، نحو


الصفحة التالية
Icon