" من مثله "، قيل: من مثل القرآن، وقيل: من مثل النبي [عليه السلام] من البشر - تنبيهاً أن مثله ليس في طرق البشر، ومن على الوجه الأول: للتبغيض، وعلى الثاني: للابتداء.
قوله - عز وجل -: ﴿وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.
الآية: (٢٣) - سورة البقرة.
الشهادة: تبين الشيء الحاضر، فقولهم: " شهد زيد " في المعنى من قولهم: " حضر " وإن كان قد يفسر به، ولما كان تبين الشيء على ضربين: تبين بالبصر، وتنبين بالبصيرة، والحضور على ضربين: حضور بالذات، وحضور بالتصور، صارت الشهادة تستعمل على أوجه بحسب ذلك، فيقال ذلك لحصول قربة ومنزلة، ومنه قليل: استشهد فلان "، " وهو شهيد "، كأنه حضر وتبين ما كان يرجوه، واستعمال ذلك فيه كاستعمال القريب نحو قوله: ﴿الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ ولهذه العنى قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ﴾، وقال في الشهداء: ﴿بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾، وقالوا: " أنا شاهد لهذا الأمر "، أي عارف به متصور له - إشارة إلي قولهم " لئن غبت عن عيني لما غبت عن قلبي ".
وقالوا: " شاهده " أي: ناصره، وعلى نحوه قال [تعالى]: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ وقالوا: " صحبك الله، وأما الشهادة المتعارفة: فأصلها الحضور بالقلب والتبين، ثم يقال ذلك إذا عبر عنه باللسان، ولذلك متى أطلق لفظ الشهادة على ما يظهر من اللسان دون حصوله في القلب عد كذباً، كقوله تعالى في المنافقين حيث قالوا: ﴿نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾، فكذبهم وقال: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ ثم يقال لكل ما يدل على شيء شهادة وإن لم يكن قولاً فقوله: ﴿وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ﴾ قد فسر على ما يقتضيه لفظ