فمعناه: أعطاهما الله خيراً فيما يمنحهما به، وجعل لهما بدل المكروه محبوباً، فقوله: ﴿وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ راجع إلى الأمرين إلى المنحة التي هي الإنجاء من آل فرعون المقتضية للشكر، وإلى المحنة التي هي ذبحهم واستحياؤهم للنساء المقتضية للصبر، وعلى ذلك قوله تعالى: ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ فإذا صح ذلك، فقول مجاهد وابن جريح: أنه أراد في إنجائكم منهم نعمة، نظر منها إلى مبدأ الآية، وهو قوله: ﴿أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾، وقول مقاتل: " أراد في قتل الأولاد واستحياء النساء شدة نحو قوله: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ﴾، نظر منه إلى منتهى الأية، وهو قوله: ﴿يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ﴾، وكلا القولين صحيح، وقول السدي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أراد بقوله: " بلاء " أي نعمة أو نقمة تصريح أن الأمرين مرادان وليس قوله (أو) ههنا شكاً منه كما ظنه بعض المفسرين، وقال إن ذلك شك من السدي، بل ذلك رواية عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - تنبيهاً منه أن النعمة والنقمة في هذه الجملة حاصلتان، وكل واحد منهما موجود فيها، وفي الآية تذكير لهم بما أولاهم من النعم في إنقاذهم من آل فرعون [وما كانوا يسومونهم من العذاب، وكان الأصل فيما روي لآن فرعون] رأى في المنام، أو قال له الكهنة: سيولد في هذا العام مولود يذهب بملكك، فجعل على كل عشر من النساء رجلاً، فقال: انظروا إلى كل امرأة ولدت، فإن كان ذكراً، فاقتلوه، وإن كان أنثى فأبقوه، وكان ذلك أعظم للرزية كما قال الشعر:
ومن أعظم الرزء فيما أرى...
بقاء البنات وموت البنينا
وقيل كان ذبحهم للأبناء استخدامهم في الأعمال القذرة الجارية مجرى أعظم الذبحين القتل، والإهانة، قال: وعلى ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ﴾، وفيها حث لنا على تذكر نعمه ومراعاتها واحدة واحدة، وتجديد الشكر لكل منها...


الصفحة التالية
Icon