والموفق لسبيله، وأنه لولا سوابق نعمه لما وجد ذلك، بل ما وجد شيء " من " أفعالنا وذواتنا، وأنه تعالى السبب الأول الذي يصح ارتفاع ما سواه، ولا يصح ارتفاعه - تعالى علواً كبيراً.
فإذا: النظر إلى أفعالنا وإلى من يسرها لنا نظران:
نظر من أفعالنا إلى فعل الباري، فيتوصل بها إلى معرفته.
ونظرٌ من إنعامه علينا بقوانا وتسهيل سبيلنا إلى إيجاد أفعالنا.
وهذا الثاني لا سبيل إلى تصوره لمن لم يتقو في الأول ولم يجعله ذريعة إلى " الوصول " إلى هذا، وبهذا السبيل دعا الناس إلى الإيمان فقال: ﴿آمَنُوا بِاللَّهِ﴾ ﴿وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾، ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾.
فلما نبههم عرفهم أن ذلك كله بتوفيقه، فقال تعالى: ﴿قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾، فلما علم تعالى أن قد صار لهم قوة يمكنهم أن ينظر وامن آلائه إلى أفعالهم قال تعالى: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ﴾ وقال: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾، فأضاف أفعالهم إلى نفسه عند تناهي معارفهم بخلاف ما فعل في الأول.
فإذا تقررت هذه الجملة عُلم أنه لا فاعل في الحقيقة منفرداً غير الله تعالى، إذ كل فاعل يحتاجُ إلى معاون على ما تقدم البيان فيها، والله تعالى: كل أفعاله إبداع لا في مادة، ولا من شيء ولا على مثال ولا في زمان ولا في مكان، ولا بآلة ولا بمرشد ومعين.
فهو الفاعل الحقيقي، وما سواه على ضرب من التوسع..
وبهذا النظر ورد الشرع وأجمع الصدر الأول من المؤمنين " على " أن الأفعال كلها بمشيئة الله وإرادته، ومن جهته.
وأطلقوا على " الله " لفظ " الشيء " كما يطلق على غيره بنظرين مختلفين: فإن بعض الناس قد ذكر أن " الشيء " في الأصل مصدر " شاء "، فإذا استعمل فيه تعالى فبمعنى " الشائي "، وإذا استعمل في غيره فبمعنى " الْمُشاءِ "، وذلك في اللغة مستمر، لأن المصدر يُطلق على الفاعل والمفعول جميعاً، قال: وتصور هذه الحقيقة من لفظة " الشيء " مما ينبهنا أن هذه اللغة من جهة الله تعالى: