قوله - عز وجل -:
﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ الآية (١٢٩) - سورة البقرة.
العزيز: الذي يقهر ولا ويُقهر، وتعزر فلأن بفلان، والعزاز من الأرض ما فيه صلابة بازاء الذلول، وعز الشيء إذا قل اعتباراً بأن كل موجود مملوك، وكل مفقود مطلوب، والحكمة حدت بحدود على اعتبارات مختلفة، إما اعتبارا بمبدأها، فقد قيل: هي معرفة حقائق الأشياء، وقيل: معرفة الأشياء الإنسية والأشياء الإلهية، وهذا هو كالأول، إلا إنه أبين، وإما اعتبارا بمنتهاها، فقد قيل: هي إماتة الشهود وقلا الاكتراث بالموت المحمود، وقيل: الترشح بالعلم والعمل لإدراك ثواب الله- عز وجل-، فأما الرسول- الذي طلبه إبراهيم- عليه السلام، فقد روي عن نبينا - ﷺ - أنه قال: " أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى بن مريم " يعني بالأول: قوله: ﴿وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾، وبالآخر: قوله: ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾.
إن قيل: كيف قال: يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة وليس الكتاب إلا الآيات، وما وجه هذا الترتيب؟
قيل: أما الآيات فهي الآيات الدالة على معجزة النبي - ﷺ - وذكر التلاوة لما كان أعظم دلالة نبوته متعلقاً بالقرآن، وأما الترتيب فلأن أول منزلة النبي - ﷺ - بعد ادعاء النبوة الإتيان بالآيات الدالة على نبوته، ثم بعده تعليمهم الكتاب، أي تعريفهم حقائقه لا ألفاظه فقط، ثم بتعليمهم الكتاب يوصلهم إلي


الصفحة التالية
Icon