القرآن، وما يحتاج إليه المفسر من العلوم، فنقول وبالله التوفيق: إن جميع شرائط الإيمان والإسلام التي دعينا إليها واشتمل القرآن عليها ضربان: علمٌ غايته الاعتقاد، وهو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وعلم غايته العمل، وهو معرفة أحكام الدين والعمل بها.
والعلم مبدأ والعمل تمام، ولا يتم العلم من دون العمل، ولا يخلص العمل من دون العلم، ولذلك لم يفرد - تعالى - أحدهما من الآخر في عامة القرآن، نحو قوله: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا﴾، وقوله ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾، ولا يمكن تحصيل هذين إلا بعلوم لفظية وعقلية وموهبية، فالأول: معرفة الألفاظ: وهو علم اللغة، والثاني: مناسبة بعض الألفاظ إلى بعض وهو الاشتقاق.
والثالث: معرفة أحكام ما يعرض للألفاظ من الأبنية والتصاريف والإعراب وهو النحوي والرابع بما يتعلق بذات التنزيل، وهو معرفة القراءات، والخامس: ما يتعلق بالأسباب التي نزلت عندها هذه الآيات وشرح الأقاصيص التي تنطوي عليها السور من ذكر الأنبياء عليهم السلام والقرون الماضية، وهو علم الآثار والأخبار.
والسادس: ذكر السنن المنقولة عن النبي - ﷺ - وعمن شهد الوحي مما اتفقوا عليه وما اختلفوا فيه، مما هو بيان لمجمل، أو تفسير لمبهم المنبأ عنه بقوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾، وبقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ وذلك علم السنن.
والسابع: معرفة الناسخ والمنسوخ، والعموم والخصوص، والإجماع والاختلاف والمجمل والمفسر، والقياسات الشرعية، والمواضع التي يصح فيها القياس، والتي لا يصح، وهو علم أصول الفقه.