تجتمع عنده الآلات التي يستعان بها في ذلك، ففسره وقال فيه تخميناً وظناً.
وإنما جعله النبي - ﷺ - مخطئاً وإن أصاب، فإنه مخبر بما لم يعلمه، وإن كان قوله مطابقاً لما عليه الأمر في نفسه.
ألا ترى أن الله تعالى قال: ﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾، فشرط مع الشهادة العلم وكذب المنافقين في قولهم: ﴿نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ﴾، فقال: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ من حق من تصدى للتفسير أن يكون مستشعراً لتقوى الله مستعيذاً من شرور نفسه والإعجاب بها، فالإعجاب بالنفس أسُّ كل فساد وأن يكون اتهامه لفهمه أكثر من اتهامه لفهم أسلافه الذين عاشروا الرسول وشاهدوا التنزيل، وبالله التوفيق..
(فصل في جواز إرادة المعنيين المختلفين بعبارة واحدة)
العبارة الموضوعة لمعنيين على سبيل الاشتراك حقيقة فيهما أو مجازاً في أحدهما؟ متى تنافي معناهما في المراد لم يصح أن يرادا معاً بعبارة واحدة، نحو أن يقال: صل صلاة واحدة على سبيل الوجوب والندب.
وإذا لم يتنافيا صح ذلك، نحو اللمس - المراد به المسيس - والمس.
وإلى ذلك ذهب الشافعي - رحمه الله - وهو مقتضى مذهب سيبويه، لأنه قال في قولهم: " الويل له ": إنه دعاء عليه وإخبار عن حاله، فجعله للأمرين في حالة واحدة، إلى غير ذلك مما دل من كلامه عليه.
والدلالة على جواز ذلك قولهم: " أفعلوا كذا " - في مخاطبة الرجال والنساء - وقولهم: " الرجال والنساء فعلوا "، وهذه العبارة للمذكر حقيقة، وللمؤنث مجاز.
وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾، وعناه والمؤمنين، فهو حقيقة فيه ومجاز فيهم.