" كنا في عز ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا أذلة "، فقال عليه السلام: " أمرت بالعفو فلا تقاتلوهم اليوم "، فلما ظهرت آياته، وانتشرت بنياته، ورأى من أبى الإصغاء إلى الحق، واستمر على الضلال والإضلال أمر حينئذ بالمقاتلة أي المحاربة، ولهذا قال تعالى:
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً﴾
ثم أمر بالقتال لمن تأبى الرجوع إلى الحق بالمحاربة، وكان هذا أمرا بعد أمر حسب مقتضى السياسة الإلهية، وقوله: ﴿الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ منهم من تصور منه تولي القتال وتعاطيه في الحال، فقال: هو منسوخ بقوله: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً﴾، (ولا تعتدوا): نهي عام في مجاوزة كل حد حده الله تعالى، كالنهي عن قتل الصبيان والنساء وقيل: " من أعطي الأمان وتحرى القتال ابتغى عرض الدنيا وطلب الرئاسة "، ونبه بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ أن اعتداء مرسوم الله وتجاوز حكمه في كل أمر مذموم..
قوله- عز وجل:
﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾
الآية (١٩١) - سورة البقرة.
الثقف: الحذق في إدراك الشيء علما كان أو عملاً، ومنه قيل:
رجل ثقف لقف إذا كان له حذق في إدراك الشيء علماً كان أو عملا، ومنه قيل: رجل ثقف لقف إذا كان له خدمة في إدراك الشيء ومنه قيل: ثقفت الرمح، وأصل الفتنة إدخال الذهب النار للتصفية، يقال: فتنت الذهب أي اختبرته بالنار، ثم استعير لكل اختبار بأمر محض، على ذلك قوله تعالى: