ذو سعة في العلوم التي يعرف بها هذه الأشياء، وأما العقلي: فيختص بإدراكه كملة الخواص من ذوي العقول الراجحة، والإفهام الثاقبة، والروية المتناهية، الذين يغنيهم إدراك الحق.
وجعل تعالى أكثر معجزات بني إسرائيل حسياً لبلادتهم، وقلة بصيرتهم.
وأكثر معجزات هذه الأمة عقلياً لذكائهم وكمال افهمامهم التي صاروا بها كالأنبياء، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: " كَاَدتْ أُمَّتِي أن تَكُونَ أَنْبِيَاءَ ".
ولأن هذه الشريعة لما كانت باقية على وجه الدهر غير معرضة للنسخ، وكانت العقليات باقية غير مبتذلة، جعل أكثر معجزاتها مثلها باقية.
وما أتى به النبي - ﷺ - من معجزاته الحسية، كتسبيح الحصا في يده، ومكالمة الذئب له، ومجئ الشجرة إليه، فقد حواها وأحصاها أصحابه، وأما العقليات: فمن تفكر فيما أورده - ﷺ - من الحكم التي قصرت عن بعضها أفهام حكماء الأمم بأوجز عبارة، اطلع على أشياء عجيبة، ومما خصه الله تعالى به من المعجزات القرآن: وهو آية حسية عقلية صامتة ناطقة باقية على الدهر مبثوثة في الأرض، ولذلك قال تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾، ودعاهم ليلاً ونهاراً مع كونهم أولى بسطه في البيان إلى معارضته بنحو قوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ وفي موضع آخر: ﴿ادعوا من استطعتم﴾ وقال: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾.
فجعل عجزهم علماً للرسالة، فلو قدروا ما أقصروا، وبذلوا أرواحهم في إطفاء نوره وتوهين أمره، فلما رأيناهم تارة يقولون ﴿لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ﴾، وتارة يقولون: ﴿لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا﴾، وترة يصفونه بأنه ﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾، وتارة يقولون: {لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ