التفصيل المتقدم، وأما لشيء لا يرجع إلى ذلك، وذلك لا يخلو إما أن يكون من جهة المعنى، أو من جهة اللفظ، فأما ما كان من جهة المعنى: فلا سبيل إلى إزالته بتغيير العبارات وذاك أن المعاني ضربان، جلي وغامض، فالجليُّ: ما يمكن إدراكه بأدنى تأمل، كقوله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ وقوله تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ إلى قوله: ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، وأما الغامض: فعلى ثلاثة أضرب، الأول: أن يكون المعنى في نفسه خفياً، نحو الكلام في صفات الباري - سبحانه - ونفى التشبيه عنه، والثاني: أن يكون الكلام أصلاً يشتمل على فروع تتشعب منه كالآيات الدالة على الأحكام، والثالث: أن يكون مثلاً وإيماء، كقولهم: " الصَّيفُ ضَيَّعَتِ اللَّبَنَ "، وذلك لأن ظاهرة ينبئ عن شيء والمقصود غيره، وذلك في القرآن كقصة موسى مع الخضر في كسر السفينة، وقتل النفي الزكية بغير نفس، وإقامة جدار من غير نفع ظاهر، وكقصة الخصمين " إذ دخلو على داود ففزع منهم "، وكقوله: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ﴾، واللفظ أيضاً ضربان: لفظُ جليَّ، وهو أن يقع كيفيات الله للفظ وكمياته على حسب ما يجب نحو " قوله تعالى ": ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ولفظ غامض، وذلك من ثلاثة أوجةٍ، إما من جهة الكيفية، وذلك بتقديم ما يقدر تأخيره.