وقيل: إن ذلك كقول الرجل لابنه: الْحَمْدُ في كذا لأبيك، فيأتي بلفظ الغائب ليكون أبلغ.
وقيل: إن " قل " غير مقدر في هذا الموضع، لأن الله حمد نفسه ليقتدي به، في حمده، بدلالة ما روي عن النبي - ﷺ -: " ليس شيء أحب إلى الله من الحمد، أثنى على نفسه فقال: " الحمد لله "، ولأن أرفع حمد ما كان من أرفع حامد وأعرفهم بالمحمود وأقدرهم على إيفاء حقه في الحمد، وما حامد أرفع منه وأعرف بذاته وأقدر على حمده منه تعالى، كما لا محمود أرفع منه وأعلى، وقال بعضهم: كل ثناء أثنى الله على نفسه، فهو في الحقيقة إظهاره بفعله.
فحمده لنفسه: هو بث آلائه، وإظهار نعمائه بمحكمات أفعاله المقتضية لحمده.
فكأن قوله: " الحمد لله " - تقديره: الحمد لله ظاهر بآلائه، وعلى ذلك قوله: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُو﴾، فإن شهادته لنفسه إيجاده الأشياء دالة على وحدانيته ناطقة بالشهادة له.
وعلى هذا قال ذو النون: لما شهد الله لنفسه، أنطق كل شيء بشهادته:
فَفيِ كُلَّ شَيَءٍ لهُ شَاهِدً...
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ
وعلى ذلك قوله تعالى:
﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾، وقوله: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
إن قيل: استحسن حمده لنفسه وقد علم في الشاهد استقباح حمد الإنسان نفسه حتى قيل لحكيم:
ما الذي لا يحسن وإن كان حقاً؟ فقال: مدح الرجل نفسه؟! قيل: إنما قبح ذلك من الإنسان، لأنه ما من أحد إلا والنقص فيه ظاهر، ولو لم يكن إلا في كون أثر الصنعة عليه وحاجته إلى الكمال، ومن خفي عليه نقصه، فقد خدع عنه عقله.
ثم مدح الإنسان نفسه ليس بقبيح على الإطلاق، فإن ذلك مستحسن عند تنبيه المخاطب على ما خفي عليه من حال المخاطب، كقول عالم يحث المتعلم على الأخذ عنه: اسمع مني فإنك لا تجد فيه مثلي.
وعلى ذلك قول يوسف - عليه السلام: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾