حال الإنزال، فقد ذكر تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ﴾، وقال: ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ وقوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ ومعلوم أن ذلك بالتمكين والإلقاء في الروع: بالهداية إليه.
واليقين أقوى إدراكات العقل، ولهذا قيل: هو مشاهدة الغيوب بعين القلوب تنبيه أنه أقوى إدراكات العقل، كما أن رؤية البصر أقوى إدراكات الحواس، ولصعوبة إدراكه، قال - عليه السلام -: " أخوف ما أخاف على أمتي ضعف اليقين " ولذلك قالوا: اليقين هو اطمئنان القلب اعتباراً بثمرته.
وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ واستعمل فيه " الرؤية تنبيهاً على ما تقدم، والكلام في ترتيب الآيتين ونظمها صعب.
وذاك أنه إن كانت تفصيلاً للمتقين، فالوجه أن يفصل ذلك بفصل لا يدخل أحد القسمين في الآخر، نحو أن يقال: العرب بدوي وحضري، وشاعر وغير شاعر.
أو تميمي وغير تميمي، فأما أن يقال: شاعر وتميمي، فلا يصح، ومعلوم أن بعض ما ينطوي عليه أحد الآيتين داخل في جملة الأخرى.
وإن كان ذلك ليس بتفصيل، وإنما هي صفات للمتقين، ويكون ذكر بعض ذلك مخصصاً عن الجملة كذكر جبرائيل وميكائيل بعد الملائكة على سبيل التخصيص، فالوجه: أن لا يعاد " الذين " ثانياً، [ثم] قوله: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الآية: (٥) - سورة البقرة.
[يجب أن يعلم هل هما صفتان لموصوفين أو لموصوف واحد] فيقال - وبالله التوفيق: إنه قد قيل: الآيتان - وإن كانتا عامتين فمعناهما خاص.
فالأولى أشير بها إلى الذين آمنوا عن الشرك، والثانية إلى الذين آمنوا من أهل الكتاب - وهو قول ابن عباس - واستدل على تقوية ذلك بأنه كما صنف الكفار - بعد