كان شراً له أي كان الكذب شراً له، وهذا التقدير أجود لأمور منها: أنه لا ينكسر الباب على هذا، لأن الباب مقرر في أن الجملة إذا كانت خبراً فلابد لها من ضمير يرجع إلى المخبر عنه، والثاني: أنا إذا قلنا: " سواء عليهم القيام والقعود " يخبر عن القيام والقعود بالسواء لا عن السواء بالقيام والقعود والثالث: إن سواء نكرة غير موصوفة ولا محدودة، فيقبح الابتداء به، وقال أبو على الغنوي في نصرة المذهب الأول: " إنك إذا قلت سواء هو خبر، بقى الكلام بلا مبتدأ فالجملة بعده خبر ساقط على التقدير المتقدم ويشهد لصحة ما قلنا قولهم: " تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فإن قولهم: " تسمع " يدل على مبتدأ، وقولهم: " خير " خبره، كأنه قيل: " تسمع وسماعك بالمعيدي خير "، والإنذار إخبار فيه تخويف، كما أن التبشير إخبار فيه سرور، وقولهم: نذرت يقتضي معنى خشيت وخفت، وأما قولهم: " أنذرت "، فذلك تقديم قول يقتضي خوفاً من محذور أو رجاء لسرور.
إن قيل: كيف قال ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ﴾ الآية وقد علم أنه قد آمن من الذين كفروا قوم قيل: إيمان من آمن لا ينافي مقتضى الآية، وذلك أنه تعالى نفى أنهم ينتفعون بالإنذار مع حصول الكفر، فأما إذا زال الكفر وهو الجحود، فإنه لا يمتنع أن ينتفعوا بالإنذار، كقولك: " المريض سواء أطعمته أم لم تطعمه لا ينفعه الطعام " - تنبيهاً أنه ما دام مرضه حاصلاً لم ينفعه ذلك، ولا تقتضي أنه لا ينتفع بذلك إذا زال مرضه، وقد تقدم أن الطب ضربان: إزالة المرض، وحفظ الصحة، وأن الإنذار يجري مجرى الغداء الحافظ للصحة، وأن النظر في الأدلة المقتضية للتوحيد وإثبات الرسل جار مجرى الدواء المعيد للصحة، والمريض لا ينتفع بالغذاء ما لم يزل مرضه، فتبين أن الذي في قلبه مرض من الكفر لا ينتفع بما يجري مجرى الغذاء ما دام به المرض، وقد روى عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - ما دل على هذا، وهو أنه قال: " عنى به الجاحدين لنعمه " وأن الإنذار لا ينفعهم مع كفرهم "، وقيل: إن ذلك حكم على جميعهم، لأن النبي - عليه السلام - كان يحب أن يؤمنوا بأجمعهم، وإيمان بعضهم ليس يقتضي أن الحكم على الكل كاذب، وقيل: الآية نزلت في اليهود الذين حجدوا نبوة النبي - ﷺ - مع ظهور المعجزات لهم، ولم يؤمن أحد منهم، وقال الربيع: " نزلت في قادة الأحزاب الذين نزلت فيهم.