محسوسة، فمن حقها أن يدركها ذو الحاسة وإن كانت معقولة، والاعتقاد أيضاً معقول، فالملائكة غير مفتقرة في شيء من المعقولات إلى الأدلة والبراهين كما يحتاج إليها البشر، وقال أبو القاسم البلخي: " إن ختم الله عليها شهادته على صاحبها بأنه لا يؤمن " قال: وتخصيص القلب بذلك لاختصاصه بالاعتقادات، كتخصيص الرجل بالمشي، واليد بالبطش إذا قيل: " مشت رجله "، و " بطشت يده " وقد جعل الله تعالى في قوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ ثلاثتها مطبوعاً عليها، وفي هذه الآية، وفي قوله: ﴿وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً﴾.
البصر مغشي عليع مفرداً عن القلب، والسمع، فقد قيل: إن ذلك لاختصاص البصر بمعنى، وهو أنه لما كان يحتاج في إدراك مدركاته إلة نور من خارج كما يحتاج إلى نور من داخل، والقلب والسمع يستوي حالهما في إدراك مدركاتها في الضوء والظلمة، خص البصر بالغشاوة - تنبيهاً على أن النور ممنوع منه، فلا يحصل به الانتفاع وأيضاً، فإن ما يدركه القلب والسمع لا يختص بجهة دون جهة، وما يدركه البصر يختص بجهة المقابلة، فجعل ما يمنعهما من خاص، فعليهما الختم الذي يمنع من جميع الجهات، وجعل ما يمنع البصر من خاص الغشاوة المختصة بجهة دون جهة، وأكثر ما ذكر الله القلب، فالمقصود به " العقل والمعرفة "، وكان ذلك عباة عن الموعي بالوعاء، وعلى هذا قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾، وقوله تعالى: ﴿فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾، وقوله عليه السلام: " استفت قلبك وإن افتاك المفتون "، وأما إفراد السمع مع جمع القلب والبصر، فقد قيل: إن السمع في الأصل مصدر، فأجرى مجرى أصله، وقيل: أراد موضع سمعهم، وقيل: المضاف إلى الجمع يصح جمعه على الأصل، وإفراده على الإيجاز - اعتماداً على المضاف إليه، كقول الشاعر:
أمَّا عِظَمامُهَا فَبِيضٌ...
وَأَمَّا جِلْدُهَا فَصَلِيبُ