وما حكى الله تعالى عن موسى - عليه السلام - في قوله: ﴿وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا﴾
فإن قيل: كيف وصف تعالى نفسه بأنه خادعهم في قوله: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾؟ قيل هو على ما تقدم، ووجه آخر في هذا اللفظ، وإخوانه مما وصف الله تعالى نفسه به من الصفات التي تنزه تعالى عما يتصور من ظواهر معانيها نحو قوله تعالى: ﴿وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾، وقوله: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا﴾ وقوله: ﴿فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾، وقوله: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (١٨٢) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ كل ذلك قد قيل فيه قيول، من تصوره متحرياً به الحقى ثلج قلبه، واستقرب ما كان من قبل يستبعده، وهو أن المكر والخديعة، وإنما هو استنزال الغير عما هو بصدده بأمر يبدي منه خلاف ما تخفيه ويتحراه مستعمله على وجهين: أحدهما: قاصداً به استنزال الغير عن ضلال إلى الرشد وذلك جميل، وهو كما يفعله الأب البار بابنه من تحذير يستجره به إلى ترك شراً أو تعاطي خير، فيقول: " خدعت ابني عما كان يتعاطاه من القبيح "، و " مكرت به حتى قبحته في عينه "، وقد علم أن هذا الفعل وإن أطلق عليه لفظ الخديعة والمكر فهو فعل حسن، فإذا المكر والخديعة وإن كان لفظهما مستبشعاً فقد يقصد به وجه محمود، وبالعكس من ذلك فعل العدالة، فقد يتحراه الإنسان لاستغواء غيره وإضلاله مما يعد فساداً وجوراً وخديعة ومكراً، قد يكون صلاحاً ورشداً وعدلاً، وما يعد صلاحاً وعدلاً ورشداً قد يكون فساداً وجوراً ومكراً، وبهذا النظر قال بعض التابعين: " كل قبيح من العبد فهو حسن من الله تعالى " ويعني بذلك أن الفعل يقبح ويحسن المقاصد، ولهذا قال عليه السلام: " الأعمال بالنيات ولكل أمرئ ما نوى "، وقال: " نية المؤمن خير من عمله "، وبهذا النظر قال بعض المحققين وقد سئل عن شيء يقبح إطلاقة


الصفحة التالية
Icon