﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾، وأما الميل النفي به إلى الاعتقادات الرديئة ميل البدن المريض إلى الأشياء المضرة، ويكون هذه الأشياء بصورة المرض قيل: ذوي صدر فلان، ونقل قلبه، وقال عليه السلام: " وأي داء أدوأ من البخل "، وقوله تعالى: ﴿في قلوبهم مرض﴾ عبارة عن نفاقهم وشكهم وعداوتهم، وقول ابن مسعود - رضي الله عنه والحسن وقتادة رحمهما الله تعالى: " إنه شك، وقول غيرهم: إنه حب الدنيا واتباع الهوى، وقول آخر: إنه غم وآخر: إنه حسد، وآخر: إنه السكون إلى الدنيا، وكلها إشارات على سبيل المثال إلى أبغاض ما ينطوي عليه معنى المرض ولا خلاف بينهم فيه، فمعنى قوله: ﴿فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ على أوجه، الأول كما تقدم: أن ما أنزله الله يجري من النفس مجرى الغذاء الحافظ للصحة، ومتى تناوله المريض الذي لم يزل مرضه لم ينفعه بل يضره، والثاني: أن هذه الزيادة في المرض هي ما كان الله تعالى يؤتيه نبيه والمؤنين من إنعامه ويصير زيادة في مرض المنافقين وذلك كقولك لمن أعطاك شيئاً: " قد أكمدت عدوي وهو لم يقصج إكماده، ولكن لما تولد من فعله بك ذلك صح نسبته إليه، وعلى ذلك قوله الشاعر:
يا مرسل الريح جنوباً وصباً...
إن غضبت قيس فزدها غضباً
أي زدنا إيلاً ليزدادوا غضباً، وعلى ذلك قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا﴾، وقوله: ﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾، ولا يختلف المعنى في قوله تعالى: ﴿فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ أي جعل مورده مورد خير أو مورد دعاء، فإن الدعاء من الله واجب، وإن كان منا رغبة وطلباً، ويجوز أن يكون ذلك رجعاً إلى حال الآخرة، ومعناه من في قلبه مرض، فإن الله يزيده في الآخرة مرضاً نحو قوله: ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ وهذا والأول يرجعان إلى معنى، لأنهم إذا زيدوا في الدنيا عداوة للنبي - ﷺ - ما ازدادوا إلا شكاً في الآخرة استحقاق عذاب، قوله تعالى: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾