الصَّالِحَةَ تَنْفَعُ فِي الآخِرَةِ - بِإِجْمَاعِ العُلَمَاءِ -، وَإِنَّ الكُفْرَ مُحَرِّمٌ لِدُخُولِ الجَنَّةِ - بِنَصِّ القُرْآنِ -، وَالعَمَلَ الصَّالِحَ وَالدُّعَاءَ يَدْفَعُ البَلَاءَ المُقَدَّرَ دَفْعُهُ بِهِ، وَيَحْصُلُ بِهِ المَحْوُ وَالإِثْبَاتُ المُقَدَّرَانِ بِهِ؛ فَقَدْ نَقَلَ القُرْطُبِيُّ - وَغَيْرُهُ - قَالَ: بَيْنَمَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ يَوْمًا جَالِسٌ؛ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا يَحْيَى! ادْعُ لامْرَأَةٍ حُبْلَى مُنْذُ أَرْبَعِ سِنِينَ قَدْ أَصْبَحَتْ فِي كَرْبٍ شَدِيدٍ، فَغَضِبَ مَالِكٌ، وَأَطْبَقَ المُصْحَفَ، ثُمَّ قَالَ: مَا يَرَى هَؤُلَاءِ القَوْمُ إِلَّا أَنَّا أَنْبِيَاءُ، ثُمَّ قَرَأَ، ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَذِهِ المَرْأَةُ إِنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا رِيحٌ فَأَخْرِجْهُ السَّاعَةَ، وَإِنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا جَارِيَةٌ فَأَبْدِلْهَا بِهَا غُلَامًا؛ فَإِنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ وَعِنْدَكَ أُمُّ الكِتَابِ، ثُمَّ رَفَعَ مَالِكٌ يَدَيْهِ، وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ، وَجَاءَ الرَّسُولُ إِلَى الرَّجُلِ، فَقَالَ: أَدْرِكِ امْرَأَتَكَ، فَذَهَبَ الرَّجُلُ، فَمَا حَطَّ مَالِكٌ يَدَهُ حَتَّى طَلَعَ الرَّجُلُ مِنْ بَابِ المَسْجِدِ عَلَى رَقَبَتِهِ غُلَامٌ جَعْدٌ (١)، ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ، قَدِ اسْتَوَتْ أَسْنَانُهُ (٢).
فَهَذَا دُعَاءُ مَالِكٍ قَدْ كَانَ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ ظَاهِرًا، كَمَا أَنَّ الأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَعَدَمَ ذَبْحِ الحَيَوَانِ سَبَبٌ ظَاهِرٌ فِي الحَيَاةِ، وَالسَّبَبُ وَالمُسَبَّبُ كُلُّ ذَلِكَ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللهِ وَتَقْدِيرِهِ كَمَا هُوَ؛ لَا يُبَدَّلُ، وَلَا يَكُونُ الْبَتَّةَ إِلَّا مَا سَبَقَ فِي
(٢) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي «السُّنَنِ» (٤/ ٥٠١)، وَمِنْ طَرِيقِهِ أَخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ فِي «سُنَنِهِ الكُبْرَى» (٧/ ٧٢٩)، وَقَدْ تَقَدَّمَ.