وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الحَرْبِيُّ (١): «اتَّفَقَ العُقَلَاءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ أَنَّ مَنْ لَمْ يَمْشِ مَعَ القَدَرِ لَمْ يَتَهَنَّ بِعَيْشٍ» (٢).
وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: مَنْ عَلِمَ أَنَّ مَا قُضِيَ لَا بُدَّ أَنْ يُصِيبَهُ قَلَّ حُزْنُهُ (٣).
عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالقَدَرِ كَيْفَ يَحْزَنُ؟! (٤).
وَقَالَ - أَيْضًا -: مَنْ تَأَمَّلْ حَقَائِقَ الأَشْيَاءِ رَأَى الابْتِلَاءَ عَامًّا وَالأَغرَاضَ مُنْعَكِسَةً، وَعَلَى هَذَا وَضْعُ هَذِهِ الدَّارِ (٥).
فَالعَجَبُ مِمَّنْ يَدُهُ فِي سَلَّةِ الأَفَاعِي كَيْفَ يُنْكِرُ اللَّسْعَ؟! وَأَعْجَبَ مِنْهُ مَنْ

(١) هُوَ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ البَغْدَادِيُّ الحَرْبِيُّ؛ مِنْ أَعْلَامِ المُحَدِّثِينَ، كَانَ حَافِظًا لِلْحَدِيثِ، عَارِفًا بِالفِقْهِ، بَصِيرًا بِالأَحْكَامِ، قَيِّمًا بِالأَدَبِ، زَاهِدًا، تَفَقَّهُ عَلَى الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَصَنَّفَ كُتُبًا كَثِيرَةً، تُوُفِّيَ سَنَةَ (٢٨٥هـ)، انْظُرِ «الأَعْلَامَ» لِلزِّرِكْلِيِّ (١/ ٣٢ - ٣٣).
(٢) أَخْرَجَهُ الخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ فِي «تَارِيخِ بَغْدَادَ» (٦/ ٥٢٢) بِلَفْظِ: «أَجْمَعُ عُقَلَاءُ كُلِّ أُمَّةِ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَجْرِ مَعَ القَدَرِ لَمْ يَتَهَنَّأْ بِعَيْشِهِ».
(٣) انْظُرْ «زَادَ المَسِيرِ» (٤/ ٢٣٧).
(٤) أوْرَدَهُ ابْنُ الجَوْزِيِّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كُتُبِهِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ مُسْنَدًا فِي «شُعَبِ الإِيمَانِ» (١/ ٣٨٦) عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: «بَلَغَنِي فِي قَوْلِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا﴾: أَنَّ الكَنْزَ - الَّذِي كَانَ لَوْحًا مِنْ ذَهَبٍ - مَكْتُوبٌ فِيهِ: عَجَبًا لِمَنْ أَيْقَنَ بِالمَوْتِ كَيْفَ يَفْرَحُ؟! عَجَبًا لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ كَيْفَ يَضْحَكُ؟! عَجَبًا لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ كَيْفَ يَحْزَنُ؟! عَجَبًا لِمَنْ يَرَى الدُّنْيَا وَزَوَالَهَا وَتَقَلُّبَهَا بِأَهْلِهَا كَيْفَ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهَا؟! لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ».
(٥) نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي «الفُرُوعِ» (٣/ ٤٠٠).


الصفحة التالية
Icon