عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ وَعَاصِمٌ بِالتَّخْفِيفِ، مِنْ (أَثْبَتَ)، وَقَرَأَهُ البَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ (١) وَأَبِي حَاتِمٍ (٢) لِكَثْرَةِ مَنْ قَرَأَ بِهَا، وَلِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ (٣).
وَمَفْعُولُ (يُثْبِتُ) مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: (وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ)، إِلَّا إِنَّهُ اسْتُغْنِيَ بِتَعْدِيَةِ الفِعْلِ الأَوَّلِ عَنْ تَعْدِيَةِ الثَّانِي (٤)؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ -: ﴿وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾... (٥).
إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا؛ فَذَهَبَ جَمْعٌ كَثِيرٌ وَجَمٌّ غَفِيرٌ إِلَى أَنَّ العُمُرَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَكَذَا القَوْلُ فِي السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ، وَالإِيمَانِ وَالكُفْرِ؛ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ هَذِهِ الآيَةِ
(٢) هُوَ: سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ السِّجِسْتَانِيُّ، مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ وَالشِّعْرِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ (٢٤٨هـ)، انْظُرِ «الأَعْلاَمَ» لِلزِّرِكْلِيِّ (٣/ ١٤٣).
(٣) سُورَةُ (إِبْرَاهِيم)، آيَة (٢٧).
(٤) حَذْفُ المَفَاعِيلِ الخَمْسَةِ - وَنَحْوِهَا - يُفِيدُ أَغْرَاضًا عِدَّةً؛ مِنْهَا: التَّعْمِيمُ بِاخْتِصَارٍ؛ كَقَوْلِهِ - تعالى -: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ﴾؛ أَيْ: جَمِيعَ عِبَادِهِ، وَمِنْهَا: طَلَبُ الاخْتِصَارِ؛ كَنَحْوِ: ﴿يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾؛ أَيْ: يَغْفِرُ الذُّنُوبَ، وَمِنْهَا: المُتَعَلِّقُ بِالاعْتِمَادِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ؛ كَالآيَةِ الَّتِي أشَارَ إِلَيْهَا المُصَنِّفُ - وَغَيْرُهَا مِنَ الأَغْرَاضِ -.
وَانْظُرْ - لِمَزِيدِ بَيَانٍ - «جَوَاهِرَ البَلَاغَةِ فِي المَعَانِي وَالبَيَانِ وَالبَدِيعِ» لِأَحْمَدَ الهَاشِمِيِّ (ص١٥٦ - ١٥٧).
(٥) سُورَةُ (الأَحْزَاب)، آيَة (٣٥).