وَلَعَمْرِي (١)؛ إِنَّ عُقُولَنَا لَا تُدْرِكُ اللَّوْحَ، وَلَا القَلَمَ، وَلَا كَيْفِيَّةَ جَرَيَانِهِ بِمَقَادِيرَ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهَا - هَلْ كَانَ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ؟ أَوْ فِي مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ؟ وَأَيُّ مُدَّةٍ تَسَعُ ذَلِكَ؟! -، وَلَا كَيْفِيَّةَ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ وَسُؤَالِ المَلَكَيْنِ لِخَلَائِقَ لَا يُحْصَوْنَ - مَعَ تَبَاعُدِهِمْ - فِي آنٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُدْرِكُ الصِّرَاطَ وَالمِيزَانَ وَكَيْفِيَّةَ الوَزْنِ، وَلَا مُسَاءَلَةَ المَلَكِ فِي القَبْرِ؛ بَلْ وَلَا تُدْرِكُ أَنْفُسَنَا (٢) الَّتِي مَعَنَا.
فَلَا يَسَعُنَا إِلَّا الإِيمَانُ بِذَلِكَ، وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ وَحَقِيقَتُهُ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -؛ ﴿يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ﴾ (٣)؛ سِيَّمَا (٤) مُدَّعِي (٥) العِلْمِ؛
وَالأَصْلُ فِيِهِ: أَنَّ حُكْمَهُ كَقَوْلِ النَّبِيِّ - ﷺ -: (أَفْلَحَ - وَأَبِيهِ - إِنْ صَدَقَ) - كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (١١) -؛ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ مُسْلِمٍ» (١/ ١٦٨): «لَيْسَ هُوَ حَلِفًا؛ إِنَّمَا هُوَ كَلِمَةٌ جَرَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ أَنْ تُدْخِلَهَا فِي كَلَامِهَا غَيْرَ قَاصِدَةٍ بِهَا حَقِيقَةَ الحَلِفِ، وَالنَّهْيُ إِنَّمَا وَرَدَ فِيمَنْ قَصَدَ حَقِيقَةَ الحَلِفِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إِعْظَامِ المَحْلُوفِ بِهِ وَمُضَاهَاتِهِ بِهِ اللهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، فَهَذَا هُوَ الجَوَابُ المُرْضِي، وَقِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَبْلَ النَّهْيِ عَنِ الحَلِفِ بِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى - وَاللهُ أَعْلَمُ -».
(٢) بِالنَّصْبِ؛ أَيْ: وَلَا تُدْرِكُ عُقُولُنَا أَنْفُسَنَا الَّتِي مَعَنَا.
(٣) سُورَةُ (يس)، آيَة (٣٠).
(٤) كَذَا بِدُونِ اقْتِرَانِهَا بِـ (وَلَا) - عَلَى تَقْدِيرِ تَجْوِيزِ بَعْضِهِمْ لِذَلِكَ! -، وَذَلِكَ خِلَافُ الأَصْلِ النَّحْوِيِّ - كَمَا هُوَ مُحَقَّقٌ عِنْدَ أَهْلِ العَرَبِيَّةِ -.
(٥) بِالرَّفْعِ وَالجَرِّ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ نَكِرَةً فَيَجُوزُ فِيهَا النَّصْبُ وَالرَّفْعُ وَالجَرُّ.