- تَعَالَى - قَدَّرَ مَقَادِيرَ الخَلْقِ وَمَا يَكُونُ مِنَ الأَشْيَاءِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ فِي الأَزَلِ، وَعَلِمَ - سُبْحَانَهُ - أَنَّهَا سَتَقَعُ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ عِنْدَهُ - تَعَالَى -، وَعَلَى صِفَاتٍ مَخْصُوصَةٍ، فَهِيَ تَقَعُ عَلَى حَسَبِ [مَا] (١) قَدَّرَهَا» (٢).
وَقَالَ الخَازِنُ فِي «تَفْسِيرِهِ»: «مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ: أَنَّ المَقَادِيرَ سَابِقَةٌ، وَقَدْ جَفَّ القَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَأَنَّ المَحْوَ وَالإِثْبَاتَ مِمَّا جَفَّ بِهِ القَلَمُ وَسَبَقَ بِهِ القَدَرُ، فَلَا يَمْحُو شَيْئًا وَلَا يُثْبِتُ شَيْئًا إِلَّا سَبَقَ عِلْمُهُ بِهِ فِي الأَزَلِ» (٣).
وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ تَقِيُّ الدِّينَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: «إِنَّ عِلْمَ اللهِ - تَعَالَى - السَّابِقَ مُحِيطٌ بِالأَشْيَاءِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَلَا مَحْوَ فِيهِ وَلَا تَغْيِيرَ وَلَا زِيَادَةَ وَلَا نُقْصَانَ؛ فَإِنَّهُ - سُبْحَانَهُ - يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَمَا لَا يَكُونُ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ، وَأَمَّا مَا جَرَى بِهِ القَلَمُ فِي اللَّوْحِ المَحْفُوظِ فَهَلْ يَكُونُ فِيهِ مَحْوٌ وَإِثْبَاتٌ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ، وَأَمَّا الصُّحُفُ الَّتِي بِيَدِ المَلَائِكَةِ - كَمَا فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فَيُؤْمَرُ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيُّ أَوْ سَعِيدٌ» (٤) -؛ فَهَذَا يَحْصُلُ فِيهِ المَحْوُ وَالإِثْبَاتُ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَدَّرُ لَهُ مُدَّةٌ، ثُمَّ يَعْمَلُ شَيْئًا يَزِيدُ
(٢) انْظُرْ «شَرْحَ صَحِيحِ مُسْلِمٍ» لِلنَّوَوِيِّ (١/ ١٥٤).
(٣) انْظُرْ «تَفْسِيرَ الخَازِنِ» (٣/ ٢٤).
(٤) مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٦٥٩٤)، وَمُسْلِمٌ (٢٦٤٣) - وَقَدْ تَقَدَّمَ -.