وَسَأَذْكُرُ لَكَ مَا يَزِيدُ المَسْأَلَةَ بَيَانًا شَافِيًا:
قَالَ العَلَّامَةُ ابْنُ حَزْمٍ فِي «المِلَلِ وَالنِّحَلِ»: «وَأَمَّا قَوْلُ رَسُولِ اللهِ - ﷺ -: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْسَأَ فِي أَجَلِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» (١)؛ فَصَحِيحٌ مُوَافِقٌ لِلْقُرْآنِ» (٢).
قَالَ: «وَمَعْنَاهُ: أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - لَمْ يَزَلْ يَعْلَمُ أَنَّ زَيْدًا سَيَصِلُ رَحِمَهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ مِنَ العُمُرِ كَذَا وَكَذَا، كُلُّ حَيٍّ قَدْ عَلِمَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنَّهُ سُيَعَمِّرُهُ كَذَا وَكَذَا مِنَ الزَّمَانِ، وَأَنَّهُ - تَعَالَى - قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ سَيُغَذَّى بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَيَتَنَفَّسُ بِالهَوَاءِ، وَيَسْلَمُ مِنَ الآفَاتِ القَاتِلَةِ تِلْكَ المُدَّةَ (٣)، وَيَكُونُ كُلُّ ذَلِكَ سَبَبًا إِلَى بُلُوغِهِ تِلْكَ المُدَّةَ (٤) الَّتِي لَا بُدَّ مِنَ اسْتِيفَائِهَا، فَالسَّبَبُ وَالمُسَبَّبُ - كُلُّ ذَلِكَ - قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - كَمَا هُوَ؛ لَا يُبَدَّلُ؛ قَالَ - تَعَالَى -: ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾ (٥)» (٦).
وَقَالَ: «الخَلْقُ كُلُّهُ مُصَرَّفٌ تَحْتَ أَمْرِ اللهِ - تَعَالَى - وَعِلْمِهِ، فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى تَعَدِّي عِلْمِ اللهِ - تَعَالَى -، وَلَا يَكُونُ البَتَّةَ إِلَّا مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنْ

(١) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ (ص٣٢).
(٢) انْظُرِ «المِلَلَ وَالنِّحَلَ»
لابْنِ حَزْمٍ (٣/ ٨٥).
(٣) بِالنَّصْبِ - هُنَا - عَلَى الظَّرْفِيَّةِ الزَّمَانِيَّةِ؛ أَيْ: (فِي تِلْكَ المُدَّةِ).
(٤) أَمَّا النَّصْبُ - هُنَا - فَعَلَى المَفْعُولِيَّةِ لِلْمَصْدَرِ (بُلُوغ).
(٥) سُورَةُ (ق)، آيَة (٢٩).
(٦) انْظُرِ «المِلَلَ وَالنِّحَلَ» لابْنِ حَزْمٍ (٣/ ٨٥).


الصفحة التالية
Icon