إلى أن قال: ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ كان إذا امْتَنَعُوا من الإيمانِ أَسِفَ وَحَزِنَ حُزْنًا شديدًا، كما قال له اللَّهُ: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: آية ٣] أي: لأجلِ أن لا يكونوا مؤمنين. و (الباخع) معناه: المهلكُ (١)،
أي: فلعلك مهلكُ نفسك أَسَفًا لأجلِ أنهم لم يؤمنوا ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ [الكهف: آية ٦] أي حُزْنًا شديدًا عليهم ﴿فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فاطر: آية ٨] ونحو ذلك من الآيات (٢)؛ وَلِذَا قال له اللَّهُ: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾ ﴿الَّذِي﴾ موصولٌ، وجملةُ الموصولِ ﴿يَقُولُونَ﴾ والضميرُ العائدُ إلى الصلةِ محذوفٌ؛ لأنه منصوبٌ بفعلٍ، وتقديرُه: (قد نعلمُ إنه ليحزنكَ الذي يقولونَه) فالهاءُ المحذوفةُ التي في محلِّ المفعولِ هي الرابطُ بين الصلةِ والموصولِ.
ثم إن الله قال لِنَبِيِّهِ: ﴿فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ﴾. ﴿فإنهم لاَ يُكْذِبونَكَ﴾ (٣) قال بعضُ العلماءِ: معنى الْقِرَاءَتَيْنِ واحدٌ (٤)، والعربُ تُعَدِّي الثلاثيَّ بالتضعيفِ كما تُعَدِّيهِ بالهمزةِ؛ كما يقال: «كثَّرت الشيءَ» و «أَكْثَرْتُهُ». وجماهيرُ العلماءِ على أن بَيْنَهُمَا في المعنى فَرْقًا (٥)، أن معنَى (كذَّب) ليس معنى (أَكْذَبَ)، والمقررُ في علومِ القراءاتِ: أن القراءتين حُكْمُهُمَا حكمُ الآيتين المختلفتين، فَكُلٌّ
_________
(١) انظر: تفسير المشكل من غريب القرآن ص (١٤١)، الدر المصون (٧/ ٤٤٢)..
(٢) راجع الأضواء (٢/ ١٨٩).
(٣) انظر: المبسوط ص (١٩٣).
(٤) انظر: حجة القراءات (٢٤٨).
(٥) انظر: المصدر السابق (٢٤٧).
«مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» (١)...............
_________
(١) الحديث جاء عن جماعة من الصحابة (رضي الله عنهم) منهم:
١ - عائشة: - أخرجه أحمد في المسند (٦/ ٧١، ٧٢، ١٣١)، وأخرجه في كتاب الأشربة كذلك ص ٩٧، وأبو داود في السنن، كتاب الأشربة، باب ما جاء في السكر، برقم: (٣٦٧٠) (١٠/ ١٥١)، والترمذي في السنن، أبواب الأشربة، باب ما جاء أن ما أسكر كثيره فقليله حرام، برقم: (١٨٦٦) (٤/ ٢٩٣)، وابن الجارود في المنتقى كما في الغوث (٣/ ١٥٤)، وأبو يعلى في المسند (٧/ ٣٢٢)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (٤/ ٢١٦ - ٢١٧)، وابن حبان في صحيحه كما في الإحسان (٧/ ٣٧٩)، والطبراني في الأوسط (٤/ ١٩٤، ٢١٦، ٢٢٣، ٢٤٩)، (٩/ ١٣٠)، وأخرجه ابن عدي في الكامل (٣/ ١٢٥٥)، (٣/ ٩٩٤)، (٤/ ١٦٢٤)، وأخرجه الدارقطني في السنن بألفاظ مختلفة (٤/ ٢٥٤ - ٢٥٦) وأخرجه ابن حزم في المحلى (٧/ ٥٠٠، ٥١٠)، والبيهقي في السنن (٨/ ٢٩٦) وفي الشعب (١٠/ ١٩١)، والجوزجاني في الأباطيل والمناكير (٢/ ٢٣٨)، وذكره الزيلعي في نصب الراية (٤/ ٣٠١)، وابن حجر في التلخيص (٤/ ٧٣)، وفي الدراية (٢/ ٢٥٠)، والألباني في صحيح الجامع برقم: (٥٤٠٧)، وصحيح أبي داود (٢/ ٧٠٣).
٢ - زيد بن ثابت: - أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (٥/ ١٣٩) وفي الأوسط (٦/ ٢٩١)، وذكره الزيلعي في نصب الراية (٤/ ٣٠١)، وابن حجر في التلخيص (٤/ ٧٣)، وفي الدراية (٢/ ٢٥٠).
٣ - سعد بن أبي وقاص: - أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف برقم: (٣٨١٥)، والنسائي في الكبرى، كتب الأشربة، باب تحريم كل شراب أسكر كثيره، برقم: (٥١١٨، ٥١١٩) بلفظ: (نهى عن قليل ما أسكر كثيره)، وأخرجه في السنن الصغرى، كتاب الأشربة، باب تحريم كل شراب أسكر كثيره، برقم: (٥٦٠٨ - ٥٦٠٩) (٨/ ٣٠١)، والدارمي في سننه (٢/ ٣٩)، وابن الجارود (٣/ ١٥٤)، وأبو يعلى في المسند (٢/ ٥٥) والطحاوي في شرح معاني الآثار (٤/ ٢١٦)، وابن حبان في الصحيح (كما في الإحسان ٧/ ٣٧٥)، والدارقطني (٤/ ٢٥١) وابن حزم في المحلى (٧/ ٥٠٠) والبيهقي في الكبرى (٨/ ٢٩٦) وذكره الزيلعي في نصب الراية (٤/ ٣٠١)، وابن حجر في التلخيص (٤/ ٧٣)، وهو في الدراية (٢/ ٢٥٠).
٤ - ابن عمر: - أخرجه أحمد (٢/ ٩١)، وابن ماجه في السنن، كتاب الأشربة، باب ما أسكر كثيره فقليله حرام، برقم: (٣٣٩٢)، (٢/ ١١٢٤) والطبراني في الأوسط (١/ ١٩٧)، (٤/ ١٥٥)، (٥/ ١٠٦)، (٨/ ٥٢) وفي الكبير (١٢/ ٣٨١)، وابن عدي (١/ ٣٨٧)، (٤/ ١٥٨٩)، (٦/ ٢٢٥٤، ٢٣٨٩)، (٧/ ٢٥١٩)، والدارقطني في العلل (٢/ ١٧) وانظر السنن له (٤/ ٢٦٢)، وابن حزم في المحلى (٧/ ٥٠٠) والبيهقي (٨/ ٢٩٦)، وهو في نصب الراية (٤/ ٣٠١) وفي التلخيص (٤/ ٧٣)، وفي الدراية (٢/ ٢٥٠)، وصحيح ابن ماجه (٢/ ٢٤٥).
٥ - جابر بن عبد الله: - أخرجه أحمد (٣/ ٣٤٣)، وأخرجه في كتاب الأشربة برقم (١٤٨)، وأبو داود في السنن، كتاب الأشربة، باب ما جاء في السكر، برقم: (٣٦٦٤)، (١٠/ ١٢١)، والترمذي في السنن، كتاب الأشربة، باب ما جاء: ما أسكر كثيره فقليله حرام، برقم: (١٨٦٥)، (٤/ ٢٩٢)، وقال: وفي الباب عن سعد، وعائشة، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر، وخوَّات بن جبير، وأخرجه ابن ماجه، كتاب الأشربة، باب ما أسكر كثيره فقليله حرام، برقم: (٣٣٩٣)، (٢/ ١١٢٥)، وابن الجارود (٣/ ١٥٣)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (٤/ ٢١٧)، وابن حبان (كما في ٧/ ٣٧٩)، وابن عدي (٣/ ١١٧٧)، وابن حزم في المحلى (٧/ ٥٠٠)، والبيهقي في السنن (٨/ ٢٩٦) وفي شعب الإيمان (١٠/ ١٩٢)، وابن عبد البر في التمهيد (١/ ٢٥٥)، والبغوي (١١/ ٣٥٠ - ٣٥١)، والجوزجاني في الأباطيل (٢/ ٢٣٧)، والمزي في تهذيب الكمال (٨/ ٣٧٧)، وذكره الزيلعي في نصب الراية (٤/ ٣٠١)، وابن حجر في التلخيص (٤/ ٧٣)، وفي الدراية (٢/ ٢٥٠)، والألباني في صحيح الجامع برقم: (٥٤٠٦)، صحيح أبي داود (٢/ ٧٠٢)، صحيح الترمذي (٢/ ١٧٠)، صحيح ابن ماجه (٢/ ٢٤٥).
٦ - خَوّات بن جبير: - أخرجه العقيلي في الضعفاء (٢/ ٢٣٣)، والطبراني في الكبير (٤/ ٢٠٥) وفي الأوسط (٢/ ١٧١)، والدارقطني في السنن (٤/ ٢٥٤) والحاكم في المستدرك (٣/ ٤٦٦)، وابن الأثير في الاستيعاب (١/ ٤٤٥)، وذكره الزيلعي في نصب الراية (٤/ ٣٠١)، وابن حجر في التلخيص (٤/ ٧٣)، وفي الدارية (٢/ ٢٥٠).
٧ - أنس بن مالك: - أخرجه أحمد (٣/ ١١٢) وأبو يعلى (٧/ ٥٠)، وذكر الزيلعي في نصب الراية (٤/ ٣٠١)، والهيثمي في المجمع (٥/ ٥٦) وقال: «رواه أحمد وأبو يعلى... والبزار باختصار، ورجال أحمد رجال الصحيح» ا. هـ، وذكره ابن حجر في التلخيص (٤/ ٧٣)، وفي الدراية (٢/ ٢٥٠).
٨ - عبد الله بن عمرو: - أخرجه أحمد (٢/ ١٦٧، ٢/ ١٧٩)، والنسائي في الكبرى، كتاب الأشربة، باب تحريم كل شراب أسكر كثيره، برقم: (٥١١٧)، (٣/ ٢١٦)، وفي كتاب الأشربة المحظورة، باب تحريم كل شراب أسكر كثيره، برقم: (٦٨٢٠)، (٤/ ١٨٦)، وأخرجه في الصغرى في كتاب الأشربة، باب تحريم كل شراب أسكر كثيره، برقم (٥٦٠٧)، (٨/ ٣٠٠)، وابن ماجه في السنن، كتاب الأشربة، باب ما أسكر كثيره فقليله حرام. برقم: (٣٣٩٤)، (٢/ ١١٢٥)، وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (٤/ ٢١٧)، والدارقطني (٤/ ٢٥٤، ٢٥٧، ٢٥٨)، وابن حزم في المحلى (٧/ ٥٠٠) والبيهقي (٨/ ٢٩٦) وذكره الزيلعي في نصب الراية (٤/ ٣٠١)، وابن حجر في الدراية (٢/ ٢٥٠) وفي التلخيص (٤/ ٧٣)، وانظر صحيح ابن ماجه (٢/ ٢٤٥)، صحيح النسائي (٥١٨٠).
٩ - علي بن أبي طالب: - أخرجه الدارقطني (٤/ ٢٥٠)، والبيهقي (٨/ ٢٩٦)، وذكره الزيلعي في نصب الراية (٤/ ٣٠١)، وابن حجر في التلخيص (٤/ ٧٣)، وفي الدراية (٢/ ٢٥٠) وقال فيه: «إسناده ساقط» ا. هـ.
١٠ - ابن عباس: - أخرجه الدارقطني (٤/ ٢٥٦).
وهذا كثير في كلام العرب - تسمية الخمر إثماً - ومنه قول الآخر (١):

نهانَا رَسُولُ الله أَنْ نَقْرَبَ الخَنَا وَأَنْ نَشْرَبَ الإِثْمَ الَّذِي يُوجِبُ الوِزْرَا
وقول الآخر (٢):
وَرُحْتُ حَزِيناً ذَاهِلَ العَقْلِ بَعْدَهُمْ كَأَنِّي شَرِبْتُ الإِثْمَ أَوْ مَسَّني خَبَلُ
قالوا: فقوله: ﴿الإِثْمَ﴾ هو تحريم للخمر؛ لأنها هي التي تذهب العقول، فهو زجر عن إذهاب العقول ومحافظة على العقول. بقي الدين وحده؛ لأن الأنساب جاءت في النهي عن الزنا، والأنفس والأعراض والأموال جاءت في النهي عن البغي؛ لأنه ظلم على الإنسان في ماله أو نفسه أو عرضه. والمحافظة على العقول جاءت في تحريم الإثم وهو الخمر. على هذا القول بقي الدين والمراد بقوله: ﴿وَأَن تُشْرِكُواْ بِالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً﴾ [الأعراف: آية ٣٣] لأن أعظم إفساد الدين الإشراك بالله، والقول في دين الله بلا علم، فهذا أعظم فساد الدين، قالوا: فعلى هذا تكون الآية الكريمة إنما تداخلت عطوفها وتكرَّرَتْ ليكون فيها الزَّجْرُ عن الأنفس، والزجر عن الأموال، والزجر عن الأعراض، والزجر عن الأنساب، والزجر عن العقول، والزجر عن الأديان. وقد علمنا من استقراء الكتاب والسنة أن الله (جل وعلا) في هذا التشريع الكريم الذي أنْزَلَهُ عَلَى هذا النبي الكريم ﷺ بالغ في المُحَافَظَةِ على هذه الجواهر الست، بالغ على حفظ الدين كما قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» (٣)؛ محافظة على
_________
(١) البيت في البحر المحيط (٤/ ٢٩٢)، الدر المصون (٥/ ٣٠٦).
(٢) البيت في المصدرين السابقين.
(٣) مضى عند تفسير الآية (١١٥) من سورة الأنعام.
الحال، وإنما تتداخل، فزعموا أن ﴿أَسِفًا﴾ حال من الضمير المستكن في ﴿غَضْبَانَ﴾ وأن العامل فيها هو ﴿غَضْبَانَ﴾ فقالوا: الأحوال متداخلة، والجمهور يقولون: إنها متعددة لا متداخلة، وأن الحال تتعدد من غير تداخل مع العطف وبدون العطف. ومن أمثلتها بدون العطف قوله هنا: ﴿غَضْبَانَ أَسِفًا﴾ وقول الشاعر (١):
عَلَيَّ إِذا مَا زُرْتُ لَيْلَى بخُفْيَةٍ زِيَارَةُ بَيْتِ اللهِ رَجْلاَنَ حَافِيا
أي: في حال كوني ماشيًا على رجلي غير منتعل. وتأتي أيضًا مع العطف كقوله: ﴿مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا﴾ [آل عمران: آية ٣٩] فهي أحوال متعددة متعاطفة.
والأَسِفُ: شديد الغضب، وشذ بعض العلماء هنا فقال: الأسِفُ: الحزين، أي: غضبان حزينًا. والأول هو الأظهر (٢)، وغضبه وشدة أسفه مما فعله قومه من عبادة العجل.
﴿غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ﴾ قرأ هذا الحرف جمهور القراء: ﴿بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي﴾ بتحقيق الهمزة، وقرأه ورش عن نافع، والسوسي عن أبي عمرو: ﴿بِيسَمَا خَلَفْتُمُونِي﴾ بإبدال الهمزة ياءً.
ومعروف أن (بئس) في العربية فعل جامد لإنشاء الذم، وإذا جاءت بعدها (ما) فالخلاف فيها مشهور: هل فاعل (بئس) ضمير محذوف و «ما» نكرةٌ مميزةٌ لذلك الضمير؟ أو (ما) هو الفاعل؟ خلافٌ معروفٌ (٣)، وأقوال لأهل العلم فيها، أظهرها: أن الفاعل
_________
(١) البيت في ضياء السالك (٢/ ٩٦)، الدر المصون (٢/ ٥٠٠).
(٢) انظر: ابن جرير (١٣/ ١٢٠).
(٣) انظر: الدر المصون (١/ ٥٠٧ - ٥٠٩).
الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧)} [الأنفال: الآية ٦٧].
لما انهزم المشركون يَوْم بَدْرٍ كان سَعْد بن معاذ (رضي الله عنه) قائماً متوشّحاً سيفه على العريش الَّذِي فيه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، رآه النبي ﷺ ينظر كأنه ينظر إلى شيء يَكْرَهُهُ فقال: «كَأَنَّكَ تَنْظُرُ إِلَى شَيْءٍ تَكْرُهُه!!» قال: نَعَمْ، رأيتهم يأسرون الكفار ورَغْبَتِي أن يُقتلوا؛ لأن قتل الكفار أقوى للإسلام وأشدّ مناعة لشوكته، ويحصل به ضعف المشركين وانكسار شوكة الكفر، فقتلهم هنا أحبّ إليّ (١).
ولما اجتمع الأسارى عند رَسُول الله ﷺ استشار أصحابه، فجاءت روايات متعدّدة أن ممن أشار عليه أبو بكر وعمر وعبد الله بن رواحة، ومن أكثرها إشارة أبي بكر وعمر، وأن أبا بكر قال له: يا رَسُول الله، إنهم قَوْمُكَ وعشيرَتُكَ فلا تَعْجَلْ عليهم وهم كفار، فاسْتَبْقِهِمْ وأمْهِلْهُمْ لَعَلَّ اللهَ أنْ يهديهم، وخُذْ مِنْ فِدَائِهِمْ ما يَتَقَوَّى به المسلمون على الجهاد في سبيل الله. وقال له عمر: هؤلاء قوم كَذَّبُوكَ وأخْرَجُوكَ وهم رؤساء الكفر فاقتلهم، فَأَعْطِ عقيل بن أبي طالب لأخيه علي -وعقيل من الأسارى ذلك اليوم- يقتله، وادفع العباس لحمزة ليقتله، وأعطني فلاناً -رجلٌ كان بينه وبين عمر نسب- ليعلم الله أن لا هوادة بيننا وبين الكفار، فإن قتل رؤساء الكفر هو الذي يكسر شوكة الكفر ويذلّه، ويعزّ دين الإسلام ويُعلي كلمة الله. فكأن النبي ﷺ كان أمْيَل إلى ما قاله أبو بكر (رضي الله عنه). وذكروا في هذه الروايات أنه قال لأبي بكر: «قُلْتَ كَمَا قَالَ عِيسَى: ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ﴾ الآية
_________
(١) مضى عند تفسير الآية (١٢) من سورة الأنفال.


الصفحة التالية
Icon